في آخر جلسةٍ للبرلمان يوم الثلثاء الماضي، حدثت مجادلاتٌ ساخنةٌ قد تدخل كتب الطرائف التي ستؤلف في المستقبل، بين وزير العدل والشئون الإسلامية ونائب رئيس كتلة «الأصالة»، بخصوص إضافة مادة إلى قانون العقوبات لسنة 1976، تتناول السحر والشعوذة والجن.
القرآن الكريم تحدّث عن عالم السحر والجن بصفته من الغيبيات، ولقطع الطريق أمام الأدعياء، احتاط الأئمة والعلماء من الموضوع، حتى قال الإمام الشافعي (رحمه الله) إن كل من ادعى أنه رأى الجن فلا نقبل شهادته.
أما في جلسة البرلمان، وحسبما نُشر من تغطيات، فقال الوزير إن «السحر إيهام ولا أحد يقول إنه واقعي»، واعترف بأنه لو كان قاضيا فلن يستطيع أن يحكم بالمادة الدستورية القائلة بأنه لا عقوبة لجريمة بلا نص! وأوضح أن «النص وإن كان أصله شرعيا فسيطبقه رجال قانون وشرطة»، وتساءل: «كيف أثبت أن فلانا حضّر الجن، هل آتي بهم، أم أذهب إلى ما وراء الطبيعة لأحضرهم»؟
أحد النواب ظنّ أن الوزير تعمّد إحراج لجنة «الشئون الخارجية»، بعدم ردّه عليها، ما دعا الوزير إلى أن يقسم بحياته لينفي عن نفسه هذه التهمة، فكل ما هنالك أنه بحث عن تعريف للسحر فلم يجده، وردّ على نائب رئيس كتلة الأصالة بعباراتٍ تغلب عليها العامية: «أنا أدرك أن الساحر لا يفلح وأنا ما قلت إنه يفلح، وجيب لي جني يشهد أنه حضر»، ومن المؤكد أنه لن يتمكن أي وزير داخلية أو قائد جيش عربي أن يستحضر جنيا إلى محكمة للإدلاء بشهادته أمام القضاة!
الجلسة كشفت الاحتكاك بين موقع من يشغل منصب الوزير ومن جاء للبرلمان بعقلية خطيب الجمعة، الذي اعتبر كلام الوزير خطيرا، فـ «التعريفات التي قالها مخالفةٌ للشريعة، والسحر لا يختص فقط بالجن»، وتعهّد بإعطائه أشياء إذا أراد! ومن المؤكد أن الكثيرين يطمحون لمعرفة هذه الأشياء، وهل هي تجارب شخصية سابقة مع الجن تحمل درجة كبيرة من الصدقية... أم من قراءات نظرية مأخوذة من بطون كتب التراث القديم.
الطريف أن النائب تحرّش بكتلة الوفاق لأنها (اليوم صايره مع الحكومة)! والحكومة - بحسب هذا المنطق - صايره مع الجن! ومع ذلك أعرب عن أمله بالاستئناس برأي الجهات الرسمية كالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ومن يدري... ربما تحدث حينئذٍ اختلافات في الآراء الفقهية والمواقف الفكرية بين الأعضاء، فيقف بعضهم إلى صفّ الجن وبعضهم يصطف ضد معسكر الجن!
النائب خالف الوزير بتأكيده أن السحر معروف في الدين الإسلامي كما هو الحال بالنسبة للشعوذة والعرافة، وإذا ما خالفنا الدين وأسميناه احتيالا فهو ليس احتيالا، وقال: «يمكن أن نكتفي بسن القانون ونترك التفصيلات للوزارة أو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية لوضعها».
نسأل الله أن يوفّق لجنة «الشئون الخارجية» في مساعيها المباركة لوضع القوانين الكفيلة بملاحقة الجن والقبض عليهم وإيداعهم في أقرب مخفر شرطة، قبل أن تبدأ إجازة مجلس النواب.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2072 - الخميس 08 مايو 2008م الموافق 02 جمادى الأولى 1429هـ