العدد 2072 - الخميس 08 مايو 2008م الموافق 02 جمادى الأولى 1429هـ

حماس وتعارض الديمقراطية مع الاحتلال

الإسلاميون ومأزق السياسة في مجال الممارسة (9)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يربط خالد الحروب في كتاب له صدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، بعنوان «الفكر والممارسة السياسية عند حركة حماس» اندلاع الانتفاضة واغتناء الساحة السياسية الفلسطينية بتيارات الإسلام السياسي بظروف الوضع الفلسطيني وغياب أية سلطة مركزية (دولة أو غيرها)، وبسبب وجود معارضة يسارية لخط منظمة التحرير فرض على «حماس» والقوى الإسلامية الأخرى «الاعتراف بواقع التعددية السياسية وإقراره واعتماده». ويرى الكاتب أنه بغض النظر عن دوافع «حماس» لمثل هذا الاعتراف حمل خطابها السياسي «تأكيدات متواصلة على تبني التعددية السياسية والاعتراف بالآخر السياسي» (فصل حماس والتعددية السياسية). ويشير الكاتب إلى ميثاق الحركة الذي اعترف بالحركات الإسلامية الأخرى في فلسطين والحركات الوطنية على الساحة السياسية إلى اعترافه بمنظمة التحرير الفلسطينية. وطورت «حماس» موقفها في وثيقة عرفت بـ «المذكرة التعريفية» التي أكدت فيها احترام مبدأ التعددية ووجود وجهات نظر واجتهادات في ساحة العمل الوطني وأقرت ضرورة العمل المشترك على رغم تباين الطرح السياسي.

ولم يقتصر موقف «حماس» على إقرار مبدأ التعددية والاعتراف بالآخر بل صرح مؤسسها الشيخ أحمد ياسين (اغتالته «إسرائيل» في غارة جوية في العام 2004) لصحيفة «النهار» المقدسية بتاريخ 30 أبريل/ نيسان 1989 بقبوله بدولة ديمقراطية متعددة الأحزاب تحترم رغبة الشعب وحقه في اختيار سلطته بواسطة الانتخابات الديمقراطية، وعندما سألت الصحيفة الشيخ السجين آنذاك عن موقفه إذا فاز الحزب الشيوعي بالانتخابات أجاب «حتى لو فاز الحزب الشيوعي فسأحترم رغبة الشعب الفلسطيني».

يذكر الحروب في كتابه تلك المبادرة التي طرحتها «حماس» في أبريل 1994 وأشارت فيها إلى «إجراء انتخابات تشريعية حرة وعامة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج لاختيار قيادته وممثليه الحقيقيين». وكرر الأمر نفسه أحد قادة «حماس» محمود الزهار في مقابلة أجرتها معه صحيفة «الوطن» الغزية في 19 يناير/ كانون الثاني 1995 حين ذكر «أن حماس تحترم رأي الشارع الفلسطيني ولو كان عكس رغبتها».

وانسجم موقف الزهار مع إعلان «حماس»، أنها على رغم رفضها لتوقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر/ أيلول 1993 ومعارضتها الحكم «لن تستخدم العنف» وذكرت القوى الأخرى ببيانها الذي أصدرته بتاريخ 9 أغسطس/ آب 1992 وأشارت فيه إلى «تبني الحوار الوطني كأسلوب ديمقراطي حضاري للتعامل بين أبناء الشعب». وكرر الأمر نفسه أحد قادة حماس عبدالعزيز الرنتيسي (استشهد في غارة جوية إسرائيلية) حين أكد معارضة الحركة الحكم الذاتي لكنها «لن تستخدم العنف ضد أي طرف يسير في طريق الحكم الذاتي» وطلب من الآخرين احترام «أي طرف في أن يقول رأيه بطريقة ديمقراطية من دون اللجوء إلى العنف».

لم تكن تلك المواقف جديدة بل هي تبلورت عند كل منعطف كانت تمر به القضية الفلسطينية. ويشير الحروب في السياق المذكور إلى بيان «حماس» الذي صدر بتاريخ 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1991 بعد انعقاد «مؤتمر مدريد» اعترف بوجود اختلافات في الرأي، وأكد حق كل طرف للتعبير عن موقفه ورفض أساليب الاغتيال وكم الأفواه وشجب أية محاولة من جهة لإلغاء الأخرى، وطالب بإجراء انتخابات حرة نزيهة ومحايدة لمعرفة الجهة التي تمثل الغالبية.

اضطربت مواقف «حماس» العامة بعد قيام السلطة الفلسطينية في مناطق الحكم الذاتي بسبب الاعتقالات التي قامت بها «في فترات متعددة عقب عمليات حماس العسكرية» الأمر الذي جعل الحركة تصدر بيانات متتالية في 16 و18 و20 يناير 1996 وصفت فيها ديمقراطية الحكم الذاتي بالديمقراطية المزيفة وأحيانا شعارات الحرية الكاذبة، وأكدت أن مقاطعتها للانتخابات «لا تعني بتاتا رفض التعاطي مع الديمقراطية».

ويفرد الحروب فصلا عن مشاركة «حماس» في الانتخابات منذ أن بدأت نشاطها في نهاية 1987 على المستويات النقابية والطلابية والمهنية والبلدية، ويشير إلى تحليل محمود الزهار الذي تناول نتائج انتخابات 23 مؤسسة في الضفة الغربية وقطاع غزة أجريت في العام 1991 - 1992 ويستنتج منها أن الكتلة الوطنية المؤيدة لمنظمة التحرير نالت ما نسبته 50.88 في المئة من الأصوات ونالت الكتلة الإسلامية المؤيدة لـ «حماس» 45.81 في المئة وتوزعت 3.12 في المئة من الأصوات على المستقلين.

يذكر الحروب هذه الوقائع ليفسر أسباب مقاطعة «حماس» والقوى الفلسطينية الأخرى المعارضة لاتفاقات أوسلو وطابا والقاهرة انتخابات الحكم الذاتي التي جرت في يناير 1996. ويشير إلى وجود وجهات نظر في «حماس» بين مؤيد للترشيح (عماد الفالوجي، إسماعيل هنية، خالد الهندي، وسعيد النمروطي) إضافة إلى الناطق الرسمي باسم الحركة محمود الزهار بينما مال موقف «حماس» الرسمي إلى عدم المشاركة. وبررت موقفها بخمسة أسباب منها أن المجلس المنتخب سيكون محكوما بسقف اتفاقات أوسلو، وأن «إسرائيل» تملك حق نقض قراراته، وأن الانتخابات ألغت حق 4 ملايين فلسطيني في الشتات بممارسة دورهم، وأنها تكرس تبعية الفلسطينيين في القدس للجنسية الإسرائيلية، لذلك وجدت «حماس» أن المطلوب من المجلس المنتخب إضفاء الشرعية على اتفاقات أوسلو وتكريس الاحتلال الإسرائيلي وإهمال قضية الشتات وحق العودة والقدس.

يلاحظ من المسار الديمقراطي لحركة «حماس» أن صدمة توقيع اتفاقات أوسلو أحدثت في برنامج الحركة وتركيبتها ردود فعل متباينة بين تيار التقط المفارقات السياسية الجديدة ويحاول التعاطي معها بواقعية من دون الاعتراف بنتائجها المبدئية على مصير القضية الفلسطينية، وتيار لم يلحظ تلك المستجدات واستمر يتعاطى مع المسائل السابقة بعقلية الانتفاضة التي توقفت بعد المصافحة التي تمت بين ياسر عرفات وإسحق رابين في حديقة البيت الأبيض.

يلاحظ، وهذا هو الأهم، أن التيارين السياسيين في «حماس»، إلى التيارات الإسلامية الفلسطينية الأخرى، لم يتراجعا عن فكرة الديمقراطية والاعتراف بالتعددية وحق الشعب في اختيار سلطته في انتخابات حرة ونزيهة، فالخلاف لم يحصل على قبول الديمقراطية ورفضها وإنما على وظيفة الانتخابات والاستحقاقات السياسية المطلوبة من المجلس المنتخب مثل إلغاء الميثاق الفلسطيني والتزام اتفاقات أوسلو وتوابعها وشطب الحقوق الفلسطينية الثابتة والمؤيدة دوليا من برنامج النضال المقبل. فالخلاف بين سلطة الحكم الذاتي والمعارضة الفلسطينية (الإسلامية والوطنية واليسارية) تركز على السياسة وحق المعارضة في مواصلة قتالها ضد المحتل ولم يشمل فكرة الديمقراطية والانتخابات.

أمام هذا الحال كيف تعاطت سلطة الحكم الذاتي مع المعارضة الفلسطينية في وقت أطلقت حكومة رابين - بيرس السابقة حق المعارضة الإسرائيلية في خوض معركتها ضد اتفاقات أوسلو وطابا والقاهرة حتى الانقلاب عليها؟

تصف هيلينا كوبان شعورها في مقال نشرته في صحيفة «الحياة» تعليقا على تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأميركية (هيومن رايتس ووتش) «كان شعوري عند قراءة التقرير الطويل (50 صفحة) المدعوم بالوثائق، الحزن العميق» إذ «بدا أن كل الكفاح الذي خاضه الشعب الفلسطيني، داخل وطنه التاريخي وخارجه، من أجل تقرير مصيره على أرضه، لم يأتِ له سوى... بماذا؟ إدارة محلية مضطربة وتعسفية بشكل يثير القلق، لاتزال تستمد سلطتها المحدودة، كما يذكرنا التقرير، من سلطات الاحتلال الإسرائيلي» (هيلينا كوبان «الحياة» 8 مارس/ آذار 1995).

واتهم تقرير أعده مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسليم) رجال الأمن الفلسطيني بانتهاك حقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية. ووصف التقرير وضع حقوق الإنسان في الضفة الغربية بالمقلق. وذكر محامون فلسطينيون يهتمون بحقوق الإنسان «إن مئات اعتقلوا بلا محاكمة وتعرضوا للتعذيب أو الضرر». واعترض المحامون على «عدم وجود هيكل قانوني متكامل»، وذكروا أن السلطة تستمد قوتها من «غابة قوانين خلفها العثمانيون والبريطانيون والإسرائيليون». وقال المحامي راجي الصوراني: «لدينا 18 ألفا من رجال الأمن وهذا نسبيا أكثر بكثير مما يجب، فهو يعني أن هناك رجل أمن لكل مئتي مواطن» وذكر الصوراني أن هناك تناقضا بين القرار «الصادر عن الرئيس الفلسطيني بتاريخ سبتمبر/ أيلول 1993 في تونس والقاضي باحترام كل المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والقرار رقم 1 لسنة 1994 القاضي باستمرار سريان القوانين والأنظمة التي كانت سارية المفعول قبل 5 يونيو/ حزيران 1967» (الحياة 1 يوليو و16 فبراير 1995).

بدورها نددت منظمة «الحق» الفلسطينية التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان بقرار رئيس السلطة بإنشاء «محكمة أمن الدولة» في غزة واعتبرتها تذكرا «بالمحاكم العسكرية الإسرائيلية التي قوضت في شكل شبه شامل استقلال القضاء خلال سنوات الاحتلال». ونددت «منظمة العفو الدولية» بانتهاكات السلطات الإسرائيلية والفلسطينية لحقوق الإنسان بعد العام الأول لتوقيع اتفاق السلام بين الطرفين، وذكرت أن السلطات الإسرائيلية قبضت على 7 آلاف فلسطيني منذ حفل التوقيع، واحتجزت السلطات الفلسطينية المئات من دون تهم أو محاكمة أو فرصة الاتصال رسميا بمحاميهم أو أفراد عائلاتهم ومن دون أية مراجعة قضائية. (الحياة 13 فبراير و12 مايو 1995).

وازدادت حملات الاعتقال والتعذيب في أعقاب موجة من التفجيرات التي نفذها إسلاميون في «إسرائيل»، ووصفت منظمة «ووتش» لحقوق الإنسان الاعتقالات بالتعسفية واتهمت «إسرائيل» وياسر عرفات باستخدام القوة العشوائية وحضتهما على ضرورة التمسك بالمعايير الدولية في مساعيهما لحماية اتفاقية السلام. (الحياة 5 أبريل 1996).

وعندما كشف مدير الجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان إياد السراج تجاوزات السلطة وانتهاكها لحقوق المواطنين أقدمت الشرطة الفلسطينية على احتجازه واستجوابه بسبب تقديمه شكاوى في شأن وفاة الكثير من السجناء في المعتقلات الفلسطينية ولجوء الشرطة إلى أعمال تعذيب تؤدي أحيانا إلى الموت. (الحياة 9 ديسمبر 1995).

خيبت السلطة الفلسطينية الآمال ولم تؤدِ اتفاقيات السلام إلى تحسين شروط حياة المواطن الفلسطيني وتطوير مجتمعه السياسي، بل كادت تؤدي إلى حرب أهلية بعد أن اضطربت حريات المواطن إثر تولي السلطة مهمتها في غزة وجزء من الضفة المحتلة في مايو/ أيار 1994، بسبب اعتماد الأجهزة الأمنية على لوائح «منظمة التحرير للعام 1979 في القضايا العسكرية والأمنية» واستنادا إلى القانون الأردني المطبق حتى العام 1967 في القضايا المدنية. (الحياة 25 أغسطس 1995).

تتحمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ولا شك، المسئولية الأولى في دفع سلطة الحكم الذاتي إلى ممارسة أقسى حالات العنف ضد المعارضة الفلسطينية بذريعة أنها تشكل تهديدا لاتفاقات السلام. ومارست حكومة رابين - بيرس، قبل فوز بنيامين نتنياهو بالانتخابات الإسرائيلية التالية سلسلة ضغوط وضعت الحكم الذاتي الفلسطيني أمام اختيارات صعبة وصلت إلى حد التهديد بإعادة احتلال أجزاء من غزة والضفة أو فرض حصار على المناطق الفلسطينية التي تعاني أصلا مشكلات اقتصادية وبطالة مزمنة أو ملاحقة المطلوبين وتسليمهم للمحاكم الإسرائيلية. وقصد تل أبيب من تلك السياسات كان يؤشر إلى احتمالات مختلفة منها دفع الوضع الفلسطيني الهش سياسيا إلى مزيد من الانقسام وصولا إلى الحرب الأهلية (وهذا ما حصل لاحقا) وهو أمر إذا حصل تكون «إسرائيل» قد بررت أمام الرأي العام العالمي احتلالها المدمر، وأكدت أنه لا ديمقراطية في المنطقة سوى «ديمقراطيتها» والدليل أن الشعب الفلسطيني لايزال يعاني في ظل سلطته كما سبق وعانى من احتلالها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2072 - الخميس 08 مايو 2008م الموافق 02 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً