لا يعني تعبير «محور الشر» شيئا لي عندما أفكر بإيران، وهي دولة وجدت أنها تملك وجها إنسانيا محبا مضيافا كريما عبر أربعين سنة من المواجهات. أقمت في إيران منذ العام 1968 وحتى 1978، وبدأت أعود إليها مرة أخرى، مع وفود سلام هذه المرة، في العام 2005.
إنها لواحدة من أعظم فقرات البهجة في حياتي أن أرى طبقات من سوء الفهم تتساقط بالتدريج لدى هؤلاء الذين يزورون إيران اليوم للمرة الأولى.
وقد قال أحد أعضاء الوفود في أحد الأيام: «لقد قابلت ملاّ في الطريق وكان لطيفا إلى درجة كبيرة». من منا يظن أن الملا لطيف؟». كما قال عضو آخر في الوفد زار الشرق الأوسط عدة مرات: «الإيرانيون أكثر شعوب العالم مضيافية وكرما قابلتهم في حياتي».
ذكر عضو وفد يهودي أنه طُلِب منه أن يكون حذرا. «قد يطلقون النار عليك إذا اكتشفوا أنك يهودي». ذهل عندما رأى اليهود يمارسون العبادة بشكل مفتوح ويسيرون في شوارع طهران وهم يلبسون الطاقية اليهودية. لم يطلق أحد النار عليه، ولكن تجمع عليه المصلون في الكنيس عندما علموا بوجود يهودي بيننا.
استغرب الأعضاء الأصغر سنا في وفودنا عند رؤيتهم تنوع أساليب اللبس في الشوارع، وكذلك عند معرفتهم أن الإيرانيين الشباب يجدون طرقا ليقابلوا بعضهم بعضا ويخرجون معا.
شعر الفنانون في وفدنا بسعادة كبيرة لرؤيتهم جموع الإيرانيين عند قبور الشاعرين الشهيرين حافظ والسعدي، وشهدنا حب إيران العظيم للموسيقى. وقف شاب يحمل كيسا للتسوق في أصفهان ليغني أغنية حب تحت جسر للمشاة. غنى وكأن الأغنية الحزينة شديدة الحساسية ليست عرضا وإنما جزء من الحياة اليومية.
تباينت هذه الصور بشكل واضح مع تصوير الإعلام الغربي لإيران الذي لا يظهر أحيانا سوى بحر من العباءات السوداء والقبضات تنذر بالوعيد.
عندما يعرف الإيرانيون أننا من الولايات المتحدة تكون الاستجابة دائما: «نحن نحب الشعب الأميركي حقا، ولكننا فقط لا نحب حكومتكم». ويتبع هذا عادة السؤال: «لماذا يريد بوش إلقاء القنابل علينا؟» يتساءل البعض لماذا توجد هناك عقوبات ضد إيران، ولماذا تريد الولايات المتحدة تغيير حكومتهم؟ يقولون: «إذا كان التغيير سيحدث، فنحن نريد أن نقوم به بأنفسنا».
تعلم كذلك أن الحياة في إيران قد تكون صعبة، وخصوصا في المجال السياسي. يجري إخراج المرشحين الداعين إلى الإصلاح أحيانا قبل التصويت، وعلى رغم ذلك توجد هناك مئات من المرشحين يتنافسون على عدد قليل من المقاعد.
كانت الانتخابات البرلمانية تلوح في الأفق قبيل ذهابنا. قالت امرأة إنها ستعتمد على والدها المولع بالدراسة لتحليله الخاص عن المترشحين. من ناحية أخرى كانت الأقليات الدينية الرسمية (المسيحيون واليهود والزرادشت) فخورة بإخبارنا أنه كان لهم مرشحون في المجلس، وهو البرلمان الإيراني.
قبل بضعة أيام من الانتخابات التقينا مع الرئيس السابق خاتمي، وكان من السهل الشعور بالتزامه المستمر بالحركة الإصلاحية، وكذلك خيبة أمله العميقة لعدم تمكنه من فعل المزيد أثناء فترة وجوده في الحكم. قال إن السلام هو ما نحن في أمسّ الحاجة إليه في العالم اليوم، ولكنه نادر الوجود في العلاقات الدولية. وأشار إلى أن الحرب يجري تمجيدها في ثقافاتنا وتاريخنا من قبل الجميع، من هومر إلى الفردوسي، الشاعر الفارسي الذي يتمتع بالاحترام.
لدى الإيرانيين ذاكرة عميقة ثابتة في التاريخ، فهم يتذكرون انقلاب العام 1953 وإقالة رئيس الوزراء مصدّق من قبل وكالة المخابرات المركزية الأميركية، بينما يتذكر الأميركيون صور مسئولي السفارة الأميركية وهم معصوبو العيون. لدينا ذاكرتان تاريخيتان محددتان، وليست عندنا علاقات دبلوماسية منذ 30 عاما، الأمر الذي لا يترك فرصة لإعادة التعرّف وإعادة العمل باتجاه التسوية.
ليست إيران كاملة، ومازالت هناك انتهاكات لحقوق الإنسان وقمع لحرية التعبير، ولكن بناء على تجاربي، أؤمن بأنه لا يوجد أي تبرير بالمرة أو سبب عقلاني للتدخل العسكري أو العقوبات الاقتصادية ضد إيران. الجهود الخارجية نحو «تغيير النظام» تعطي نتائج عكسية لبناء الثقة والإصلاح.
أعتقد أن إيران على استعداد لدخول مفاوضات دبلوماسية، بشرط أن تظهر جميع الأطراف الاحترام وأن تكون صادقة في تحقيق التسوية والبدء ببناء عالم يسوده السلام بشكل أكبر.
* قسيسة أسقفية من دير سانت هيلانة شاركت في قيادة وفود إلى إيران برعاية زمالة التسوية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2072 - الخميس 08 مايو 2008م الموافق 02 جمادى الأولى 1429هـ