يدعو خبر تحسن أداء التحصيل العلمي في مادتي الرياضيات والعلوم الذي أعلنته وزارة التربية والتعليم الأسبوع الماضي، من دون شك، إلى الفخر ويمكن وصفه بالداعي «للتفاؤل»، والأهم هو أن يتحول إلى محفز لمزيد من التقدم في هذا المجال.
وقارنت دراسة التوجهات الدولية في الرياضيات والعلوم (TIMSS 2007) التي تقوم بها الرابطة العالمية لتقييم الإنجاز التربوي (IEA) بالتعاون مع معهد لينش للتعليم بجامعة بوسطن، ضمن برنامج بحثي يهدف عموما إلى تحسين التدريس والتعلم في مادتي الرياضيات والعلوم في العالم، التحصيل العلمي لمادتي الرياضيات والعلوم في العام 2007 بالوضع في العام 2003، بينت أنه من بين 49 دولة، حصل طلبة الثاني الإعدادي في المملكة على المركز 35 في مادة الرياضيات (بعد أن كان ترتيبهم 37 في هذه المادة في العام 2003) والمركز 26 في مادة العلوم (بعد أن كان ترتيبهم 33 في هذه المادة في العام 2003).
يشار هنا إلى أن هذه الدراسة يتم إعدادها مرة كل 4 سنوات لطلبة الرابع الابتدائي والثاني الإعدادي باختيارهم بشكل عشوائي من المدارس الحكومية والخاصة، لتوفير بيانات عن التقدم المحرز في هاتين المادتين مع الوقت، ولاطلاع صانعي السياسات التعليمية في الدول المشاركة على هذا التقدم لتقييم سياساتهم التعليمية، كما يتم تجميع معلومات مكثفة حول حجم ونوعية ومحتوى المادة التعليمية بشكل دوري، وتشمل كذلك تحضيرات المدرسين والموارد المتاحة واستخدام التقنيات في التدريس والتعلم.
ولإضفاء المزيد من الفخر تم التركيز في الخبر على مقارنات خليجية وعربية، فأشير إلى أن تحصيل أداء طلبة البحرين في مادة الرياضيات أدى إلى تقدم المملكة عربيا إلى المركز الرابع على 13 دولة عربية مشاركة (بعد أن كان الخامس في العام 2003 على 8 دول عربية مشاركة آنذاك) والأول خليجيا على 5 دول خليجية (بعد أن كان الأول في العام 2003 بين دولتين خليجية مشاركة آنذاك). أما في مادة العلوم، فقد جاء ترتيب طلبة المملكة ثانيا عربيا والأول خليجيا.
وعلى رغم أهمية الفخر بهذا الإنجاز والمؤشرات الإيجابية، إلا أنه لابد من الإيمان بأن المقارنة بأوضاع خليجية وعربية ليست هي المعيار الذي يحدد به مستوى سقف الطموح، فالتنافس والتفوق على دول المجلس أو الدول العربية، وإن كان صحيا، ليس هو المبتغى لا لمملكة البحرين ولا لدول المجلس نفسها، بل المطلوب حقا هو أكثر من ذلك وهو الوصول إلى مصاف دول العالم المتقدمة. وهذا لا يلغي أهمية الشعور بالتفاؤل، بالإضافة إلى اعتبار هذه النتائج فرصة للمسئولين عن التعليم والمهتمين به في المملكة لمراقبة الأداء والتأكد من ثمرات إجراءات التطوير للمناهج التدريسية في هاتين المادتين بالذات، وذلك في ضوء إصلاح التعليم وارتباطه بالإصلاحات الأخرى للاقتصاد وسوق العمل التي بدأتها مملكة البحرين.
من جانب ثان، لابد من الانتباه إلى أن تطوير تدريس ومستوى هاتين المادتين، أي الرياضيات والعلوم، بالنسبة لمملكة البحرين، وكذلك دول المجلس، لا يعني عدم الاهتمام بالمواد الأخرى، إلا أن ذلك ينبع من أهميتهما الكبيرة كعلوم أساسية في المساهمة في مسار التنمية الإنسانية لشعوب المنطقة من حيث أهمية امتلاك المهارات في مجال الرياضيات والعلوم التي تعتبر حاليا من أهم المهارات المطلوبة لسوق العمل في ظل الاقتصاد العالمي المتغير ولنجاح الفرد في مجتمعات تزداد تعقيدا، كما أن النجاح الاقتصادي للفرد واستقراره الوظيفي مرتبط ارتباطا وثيقا بامتلاكه لهذه المهارات.
في واحدة من أفضل الدراسات الموضوعية المتوفرة عن التعليم وإصلاح التعليم في دول المجلس والتي تنظر إلى إصلاح التعليم بشكل متكامل وبعيدا عن الضغوط السياسية الخارجية، وهي دراسة بعنوان «كيف تنجح في إصلاح التعليم: دراسة حالة عن السعودية ودول مجلس التعاون» نشرت حديثا (2008) من قبل «مركز تكوين الأفكار» (Ideation Center) للمؤلفين بووز، ألن، وهاملتون، تؤكد الدراسة على أن جودة التعليم لا تساهم في النمو الاقتصادي فقط بل هي مكون أساسي في التنمية الإنسانية عموما. وترى الدراسة أن إصلاح التعليم في دول المجلس يمثل خطوة أساسية لضمان النمو الاقتصادي المستقبلي لهذه الدول والتنمية فيها. كما ترى الدراسة، بناء على الكثير من المؤشرات المقاسة في هذه الدول، أن دول المجلس تحتاج إلى أن تركز مناهجها بشكل أكبر على فرعي «الرياضيات والعلوم» وأن تكون جودة التعليم مقاربة للمستويات العالمية المتقدمة. كما ترى الدراسة أنه على رغم أن تأثيرات هذه السياسات التعليمية قد لا تظهر بشكل واضح في السنوات التي تلي تطبيقها، فإن النتائج الملحوظة سيتم الإحساس بها بعد عقد من ذلك، وأن تأثيراتها الاقتصادية الكلية ستحتاج من 3 إلى 4 عقود للظهور.
يذكر أن هذه الدراسة كانت مبنية أساسا على دراسة قام بها البنك الدولي، وتشير هذه الدراسة إلى أنه على رغم أن دول المجلس استثمرت وتستثمر مبالغ كبيرة في إصلاح نظامها التعليمي، إلا أن العائد المرجو من هذه الاستثمارات متواضع جدا، حيث صرفت هذه الدول 5 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي على التعليم، تتقدمهم الإمارات التي خصصت 25 في المئة من موازنتها الفدرالية للتعليم، إلا أن النظام التعليمي في هذه الدول لم يستطع أن ينتج خريجين مزودين بالمهارات والخبرات التي تمكنهم من المنافسة مع مناطق العالم الأخرى. كما تحذر الدراسة من أن الكثير من دول المجلس سيكون من الصعب عليها الحصول على مدرسين مؤهلين لتلبية الطلب بحلول العام 2015
إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"العدد 2297 - الجمعة 19 ديسمبر 2008م الموافق 20 ذي الحجة 1429هـ