لقيت حادثة الحذاء الإسطوري للصحافي العراقي البطل منتظر الزيدي الذي أهان الرئيس الأميركي جورج بوش (الأحد) الماضي تجاوبا وردود فعل منقطعة النظير إذ انتشرت الاختراعات والنكات والهدايا والهبات للزيدي انتشار النار في الهشيم. فالكل عبر عن نفسه ووفقا لبيئته أو إمكانياته تضامنا مع هذا الفتى الأبي ابن الرافدين.
تراوحت تلك التفاعلات بين فردية وجماعية، فمهندسو الكمبيوتر اخترعوا ألعابا على الإنترنت ستظل خالدة فيما عبر آخرون عن استعدادهم لشراء الحذاء بمئات الآلاف من الدولارات بينما ذهبت فئة ثالثة إلى إمكانية إقامة نصب تذكاري لتخليد الحادثة.
لقد ضرب بوش إلكترونيا الأسبوع الجاري «ضرب غرائب الإبل» من قبل ملايين الأشخاص الراغبين في إهانته وذلك عبر موقع «شوك آند أو» (أي الصدمة والترويع» تيمنا بالاسم الذي أطلقه(الرئيس الأميركي) على العملية العسكرية الجوية الأولى التي استهدفت بغداد العام 2003. ومنح هؤلاء اللاعبون «المستأنسون» في كل مرة 30 ثانية لمحاولة إصابة بوش بفردة حذاء بني اللون حيث يتم تحية اللاعبين في بداية اللعبة بجملة «الهدف: اضرب الرئيس بوش بحذائك على وجهه» وعند إصابة الهدف تظهر رسالة تهنئة «أصاب الحذاء بنجاح وجه بوش...حسنا فعلت». وهكذا ربما تظهر في الأيام القادمة ألعاب أخرى أو مسابقات جادة توزع فيها جوائز لهذه الحادثة الجليلة.
وكان أبرز ما أبداه العرب تجاه قصة الزيدي وبوش ما عبر عنه المواطن المصري المدعو فتحي سعد جمعة، الذي عرض على الصحافي العراقي ابنته زوجة له. وقال جمعة إنه اتصل بشقيق الزيدي وأبلغه بالمكرمة وأنه مستعد لتجهيز الفتاة الجامعية (20 عاما) وإرسالها إلى العراق، وأكد أنه قام بتحرير توكيل لخال ابنته العراقي الجنسية ليعقد قرانها في بغداد نيابة عنه. ولم تخيب الفتاة الكنانية رجاء أبيها إذ أكدت أن الزواج من ذاك «الأسد» يشرفها آملة في إنجاب أشبالا»، وصرحت « أتمنى أن أعيش في العراق وخصوصا لو ارتبطت بهذا البطل (قاذف الحذاء)».
كما عرضت عائلة فلسطينية من مدينة نابلس (الخميس) على الزيدي تزوجيه بإحدى فتياتها بالمجان. وأعلنت العائلة أنها على استعداد لمصاهرته بالمجان بل أن تتبرع بعروس محملة بالذهب وجميع مسلتزماتها لتصل إلى بغداد. وأعربت أيضا عن استعدادها للتكفل بتغطية جميع نفقات محامي الدفاع عن الصحافي.
وبالطبع لم يتأخر مواطنو مملكة البحرين عن هذه التفاعلات فقد طالعتنا إحدى الصحف المحلية بإعلان رجل أعمال بحريني إهداء سيارته المرسيدس(ليموزين ستة أبواب) إلى الزيدي.
وفي السياق ذاته اقترض أحفاد المتنبي الشعر بهذه المناسبة، فقد جادت قريحة الشاعر فائق حسن، مدير أعمال المطرب العراقي ماجد المهندس، بقصيدة عصماء في الحادثة الملهمة جاء فيها(اضربه أكرمت العراق بضربه... حتى الحذاء أبى يقبل خده...أرجعتني للعز من بعد الغياب...ورفعت رأسي عاليا فوق السحاب...اضربه يا ابن الفرات...اضربه يا ابن العرب...اضربه حتى نستريح...اضربه قد طال التعب... اضربه حتى يستفيق ابن البغيض...هذا المغولي الشعوبي المريض).
ولاشك أن هناك شعراء آخرون كثر مجهولين لدينا نظموا قصائد تعبير عن سعادتهم بالحذاء الصاروخي، ناهيك عمن تبرعوا لإقامة نصب له في كل من اليمن والسعودية وغيرهما. ومنحت المخرجة الأميركية ماري جاسر الفلسطينية الأصل الجائزة التي فازت بها في مهرجان دبي السينمائي مساء للزيدي.
وحتى كبار المسئولين العرب اخذوا يفتخرون بالحادثة فهذا الرئيس السوداني مثلا أقسم الأسبوع الجاري أنه «لن يسلم المحكمة الجنائية الدولية ولو كديسا (قطا) من السودان لكي تحاكمه في لاهاي»، وبرر ذلك بأن جلد القطط نحتاجه في صنع الأحذية، في إشارة ضمنية لأهمية هذه المقتنيات الشخصية في مقاومة جبروت الغرب.
وأعربت إحدى دول محور الشر وهي كوريا الشمالية عن سعادتها بالحادث وقالت إن بوش يستحق ما جرى ووصفته بـ»الديك المبلول بالمطر».
أما أشكال التعبير الجماعي فقد تعددت أيضا حتى في الدول الغربية نفسها، فتحالف «أوقفوا الحرب» نظم أمس (الجمعة) تظاهرة أحذية أمام السفارة الأميركية في لندن. وقال هذا التحالف الشعبي المناهض للسياسات الأميركية أن هذا التحرك يأتي تضامنا مع الشعب العراقي وفي مقدمته الصحافي منتظر الزيدي. هذا علاوة على تظاهرات في كل من باكستان، وأفغانستان ودول إسلامية أخرى.
ومن الناحية القانونية هب مئات المحامين للدفاع عن الزيدي ودفع الكثيرون ببراءته كونه شخصا يرزح تحت الاحتلال وما قام به تعبيرا فقط عن رفضه لهذا الاحتلال والظلم الواقع به.
وفي الحقيقة جاءت هذه الواقعة كـ»ليلة القدر» في وقت يسعى فيه بوش لتجميل وجهه القبيح في آخر عهده ولذلك صارت أفضل تعبير عمّا يعتمل في نفوس العرب والمسلمين من غضب دفين على الحرب الجائرة على المنطقة التي راح ضحيتها ملايين الأبرياء سواء كانت هذه حربا حسية على ما يسمى بالإرهاب أو معنوية في التصدي لكل ما سعى إلى «التأصيل».
وفي المقابل فإن أخشى ما يُخشى في هذا الخصوص أن تكون للواقعة هذه آثار سلبية تجاه حرية الصحافة والصحافيين وحقهم في تغطية المؤتمرات بشفافية ومن دون وصاية. فربما يفكر جباهذة السلطة ومن بيدهم سن القوانين تشديد الأحكام الإجرائية في حضور وتغطية الفعاليات وخصوصا التي تحضرها كبار الشخصيات الغربية.
ونتوقع حتى الأسوأ من ذلك كأن يطلب من الصحافيين والمحررين خلع أحذيتهم عند دخول قاعات المؤتمرات أو الجلوس على مسافة معينة وما إلى ذلك. ولذلك نتوقع أن تمتد مساويء عهد بوش إلى مرحلة ما بعد بوش. وعليه ينبغي على القائمين على شئون «السلطة الرابعة» الانتباه إلى ما هو قادم وترتيب بيتهم الداخلي للتصدي إلى كل ما يعكر صفو حرية التعبير والحصول على المعلومات.
وعموما هذا غيض من فيض إذ نستلهم من الواقعة الفريدة أن كل عمل مشين غير مدروس سيرتد على صاحبه يوما ما بالخزي والعار، فالحروب التي شنها بوش كانت ظالمة بمعنى الكلمة وباعترافه هو شخصيا. ولذلك أعادت حادثة إهانته بالحذاء إلى الأذهان لحظة الانتصار التي استمتع بها بوش من دون وجه حق(وإن كان الرئيس العراقي السابق ظالما)، حينما استخدم العراقيون المبتهجون أحذيتهم لضرب تمثال صدام حسين في التاسع من أبريل/نيسان 2003 تاريخ سقوط بغداد. واليوم يخلّد بوش منكلا به عبر الألعاب الإلكترونية وفي جميع أنحاء العالم وفي كل الأوقات، وصدق رسولنا الأمين القائل «اعمل ما شئت كما تدين تدان»
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 2297 - الجمعة 19 ديسمبر 2008م الموافق 20 ذي الحجة 1429هـ