المعلومة اليوم لا تقدر بثمن، ولغة الأرقام يجب أن تحترم وعندما نضع المراوغين والمضللين على رأس الأجهزة التي تتحكم بالأرقام، أو تديرها نكون للأسف قد قرأنا على مستقبلنا التنموي الفاتحة، فالأرقام يجب أن تعامل معاملة خاصة، كما يعامل الذهب، لأنه لا شفافية نرجوها من مخادع ومتهم بعدم الدقة والموضوعية.
وزير شئون مجلس الوزراء يوم الاستجواب صار في وضع لا يحسد عليه، ولكن المنقذ رقم واحد هو العرض المجهز مسبقا، الذي أعد له من قبل مستشاريه بحيث غرد فيه الوزير خارج سربه، والأمر الآخر كان أيضا نجاحه منقطع النظير في الهروب من المحاور الرئيسة من الاستجواب، وابتعاده عن الإجابة عن كل الاستفسارات والأسئلة التي وجهت له أثناء مرافعات المستجوبين، فضلا عن كونه لم يرتجل الكلام وإلا لكانت البلاوي تتضاعف حتما، لأنه لم يتكلم إلا قليلا بل كان يوجز في الكلام، والتعليقات البسيطة التي أشار إليها مدان فيها، ولعله يؤمن بأن السكوت من ذهب والكلام من فضة، ولعلنا نعرف أن المرء مخبوء تحت لسانه فإذا نطق بانت شخصيته وما لديه.
فيما يلي أشير إلى بعض التعليقات التي أشار إليها والمؤاخذات: عندما حاصره المستجوبون بقصة الأرقام وعدم الإفصاح عنها، وبالتالي خطط الحكومة والوزارات جميعها بنيت على أرقام مضللة وفيها ما فيها من خسائر مالية وجهود بشرية وأوقات ثمينة وغيرها من موارد لا يمكن حصرها، ماذا كان رد الوزير؟
ببساطة شديدة رغبة منه في إخراج نفسه من الحرج الكبير الذي قد يورطه أكثر ما كان عليه، ما كان منه إلا أن أقر بأن جميع الوزراء فاشلون ومقصرون ومهملون ويستحقون الاستجواب!. تخيلوا يا جماعة الخير بدلا من أن الوزراء جميعهم بلا استثناء يقفون ضده ويلومونه لحجب المعلومات الصحيحة عنهم، ولتضليلهم بالأرقام غير الدقيقة وبالتالي كانت جميع خططهم مبنية على أساس غير صحيح نجده يقلب الطاولة على رؤوسهم، ويشحن النواب لمحاسبتهم واستجوابهم.
طبعا الوزير لا يلام لكونه وقتها مضطربا ووضعه النفسي غير مواتٍ، بدليل ضحكاته التي ضج بها من هو في قاعة الاستجواب، وشاهدنا نسخا منها على الصفحات الأولى من الصحف المحلية، فالابتسامة والضحكة لم تكن علامة للنصر ولا للبراءة وإنما كانت تدل على موقف تكتيكي لاختطاف النتائج ولمخادعة الرأي العام إعلاميا، والقصة لا يمكن اختزالها بضحكة هنا وابتسامة هناك أو بزفة هنا أو قبلات هناك، وإنما بحقائق وإثباتات ودلائل تؤكد البراءة، التي عجز الإتيان بها على رغم توافر المستشارين وتعددهم.
المشهد واضح ومكتمل نفهم منه أن هناك تحركات ترقيعية، بهدف بيع براءة الوزير على الرأي العام، وتوجيه الإعلام، كما وجهت إرادات النواب، وشراء المواقف وشهادات الزور، في النتيجة النهائية أصررتم على استجواب الوزير وبالفعل كان لكم ما أردتم، ولكن لن يكون الطريق مفتوحا للإدانة، هذا ما نفهمه، ليس هذا المهم اليوم، ولكن الأهم هل نؤمن على أنفسنا منه إذا ما بقى في مكانه ومنصبه؟
وهل لنا أن نتمسك به أكثر بعد أن ظهرت عيوبه ومساوئه واتضح حقيقة أدائه؟
الأوضاع التنموية في البلد جميعها بلا استثناء تأثرت كثيرا، بالمشكلة القائمة تكاد لا تسلم وزارة من الوزارات من المشكلات المستفحلة، وأمامنا خطوات قليلة وستشهد الحرارة ونتوقع انقطاعات للكهرباء بشكل مستمر، وسنشهد مستقبلا أوضاعا كارثية في مستوى أعلى مما يتوافر لدينا حاليا إذا لم يعالج الوضع، ويعاد النظر في التعيين ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب تداركا لتهالك الوضع التنموي.
أكبر دليل على صحة ما أريد أن أوضحه أن الاستجواب قد انتهى واللجنة لاتزال إلى الآن عاكفة على إعداد تقريرها الخاص بالاستجواب، ولاتزال الجهات الرسمية والمتابعون بانتظار العدد السكاني الصحيح، بعد أن أضعنا الموازنات الفلانية على خطط واستشارات لا طائل من ورائها لأنها بنيت على أرقام مضللة.
والعذر أقبح من ذنب وكما يريد البعض أن يوصله لنا وعلينا أن نقتنع به، أن التضليل يأتي نتيجة وجود التضارب في المعلومات لوجود السجل السكاني والجهاز المركزي للإحصاء لإنجاز المهمة، على رغم أن الأصل في وجود السجل والجهاز لكونهما رافدين مهمين لتأكيد المعلومة وسهولة تداولها لا العكس، أما إذا كان وجودهما سلبيا ويؤدي بنا إلى تلقي بيانات متضاربة وغير دقيقة بحجة وجود منهجيتين إحداهما لإدارة السجل السكاني والثانية للتعداد والإحصاء كما أقر الوزير بذلك في أحد ردوده على أسئلة المستجوبين فذلك حجة عليه لا إليه، وليس من المعقول أن نأخذ ذلك ذريعة وشماعة نعلق عليها أخطاءنا، فهذا استخفاف واستغفال غير مبرر.
الآن بعد أن عرفنا أن المتسبب رقم واحد في الكثير من القضايا التنموية وزير التأزيم فهل ستظل الحكومة تتمسك به؟ وهل ستظل الكتل الموالية تدافع عنه؟ وإلى متى ستظل متمسكة بمواقفه منه، وقد انكشف أمره؟
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2071 - الأربعاء 07 مايو 2008م الموافق 01 جمادى الأولى 1429هـ