قابلنا (يهيل وأنا) إيليوت في سقيفة مصلح الأدوات المنزلية في شارع جانبي جنوبي القدس.
كان إيليوت هورويتز، المؤرخ في جامعة بار إيلان قد دفع ثمن الغسالة شبه الجديدة مستخدما أموالا وعد أصدقاؤه بإعادة دفع ثمنها له. تصارعنا مع كتلة المعدن الثقيلة البيضاء لوضعها في صندوق سيارة يهيل الصغير وانطلقنا: ثلاثة رجال يلبسون غطاء الرأس اليهودي، بلحاهم التي بدأ الشيب يغزوها، إلى الخليل نحمل غسالة لحجّار فلسطيني.
كان إيليوت هو صاحب الفكرة. قبل أسبوعين تقريبا قرأ مقالا كتبه جدعون ليفي يصف حادثة وقعت في الخليل. ادخر غسان برقان، وهو حجّار يقيم في الجانب الذي تسيطر عليه «إسرائيل» في الخليل لشهور طويلة وقام بشراء غسالة. وبما أنه لا يُسمح له بقيادة سيارته حتى بيته، حيث إن السيارات الفلسطينية ممنوعة في ذلك الشارع، فقد أوقف سيارته في منطقة قريبة وحمل الغسالة على رأسه مع زوجته وخمسة أطفال وأخيه. أوقفه حرس الحدود وطلبوا رؤية ما بداخل الصندوق. انزعج أخوه، وتوجه الكثير ممن يلبسون البزات العسكرية إلى المنطقة، وانتهى الأمر بغسان في السجن وقد أُدمي بشكل سيء، متهما بمحاولة سرقة سلاح أحد أفراد حرس الحدود.
الأمر غير الاعتيادي إلى حد بعيد هو أن المحكمة العسكرية، وبعدها محكمة الاستئناف أمرت بإطلاق سراحه بكفالة. لا يحصل الفلسطينيون المتهمون بمهاجمة قوات الأمن عادة على الكفالة. لم يرغب القضاة بمحاكمة تلك القضية أبدا. ولكن الغسالة اختفت.
يقول إيليوت إنك عندما تقرأ أمرا كهذا فكل ما تستطيع أن تفعله هو أن تصاب بالإحباط.
كان يفكر بالأمر بعد أيام قليلة في قاعة جنازة مكتظة بالحضور في جبعات شاؤول، وهو ينصت إلى أناشيد نعي من جيرالد كرومر، وهو عضو في الهيئة التدريسية بجامعة بار إيلان وزميل لإيليوت، ضمن أمور أخرى، وناشط سلام أرثوذكسي.
كان جيرالد، الذي قضى حياته المهنية يسعى إلى فهم الآليات السرية للعنف والتطرف، كان كذلك من مؤسّسي كهيلات يديديا، الكنيس التقدمي الأرثوذكسي الذي ننتمي إليه أنا ويهيل. وكان قد جرى تشخصيه بمرض السرطان ومات خلال بضعة أسابيع عن عمر 63 سنة.
اقترح ايليوت عليّ أن نشتري غسالة في ذكرى جيرالد. بدت تلك طريقة جديدة لتكريمه، لأنه لو كان جيرالد حيا لفعل ذلك بنفسه. أرسلت رسالة إلكترونية إلى عدة عشرات من الأصدقاء من الكنيس، وعرضت عليهم فرصة المساهمة، ووقعت فورا في مشكلة نادرا ما يقع فيها من يجمع الأموال، أراد الكثير من الناس التبرع، الأمر الذي اضطرني إلى إغلاق باب التبرع.
عرض يهيل، الذي يعمل مع منظمة الحاخامات من أجل حقوق الإنسان أن يأخذ الغسالة بسيارته إلى الخليل، ووجدنا أنفسنا على طريق الخليل، نمر عبر نقاط التفتيش وكروم العنب وأشجار الفاكهة قرب المدرجات العتيقة المنحوتة في التلال الخضراء، والبنايات السكنية ذات الواجهات الحجرية الصفراء للمستوطنات، المكتظة معا كمتظاهرين ضد مستقبل منطقي معقول.
عند نقطة التفتيش، افترض الجنود بالتأكيد أننا ثلاثة مستوطنين. لم نقف لنعرب عن عدم رغبتنا بالإساءة إليهم بسبب صورهم النمطية ونشرح لماذا نحمل غسالة في صندوق السيارة.
جئنا عبر مستوطنة كريات أربع، المستوطنة المكتظة المواجهة للخليل. كريات أربع مكان كابوسي هادئ.
كان إيليوت، وهو رجل هادئ عمل بدقة على توثيق ووضع هوامش تاريخ العنف، يحمل كاميرته، ووقفنا أمام المتنزه المكرس لمئير كاهانا، الذي يوصف في الحفر على القبر بأنه رجل يحب اليهود، من دون أي ذكر لحقده البركاني للعرب.
يوجد داخل المتنزه كذلك قبر باروخ غولدشتاين الطبيب والقاتل الجماعي، الذي أطلق النار فقتل 29 فلسطينيا وهم يصلون في رمضان في مقام القديسين/ الحرم الإبراهيمي العام 1994. يصفه النقش على حجر القبر بأنه يملك «أيدي نظيفة وقلبا طاهرا نقيا».
كريات أربع مكان تحول فيه الضوء كالسحر إلى ظلام، والظلام إلى نور، حيث انعكس الإيمان به تعالى، الذي خَلَقنا جميعا على صورته، ليصبح مثل مسودة صورة فوتوغرافية.
قابلنا موسى وغسان أمام الحرم الإبراهيمي الشريف. تسيطر «إسرائيل» على ذلك الجزء من الخليل لأجل سلامة جالية صغيرة من المستوطنين داخل المدينة، وهم معروفون بين المستوطنين الآخرين بتطرفهم.
يُوجد على سطح متجر فلسطيني على الجانب الثاني من الشارع من المقام مكعب اسمنتي وفتحات ضيقة في أعلاه. على الجدران وأبواب المتاجر الفلسطينية الموصدة كتب المستوطنون بأحرف عبرية: «الموت للعرب».
جلس موسى وغسان في المقعد الخلفي للسيارة الصغيرة معي. لم يكن الأمر سهلا لأن غسان رجل ضخم، ولأنه كانت هناك في منتصف المقعد أكياس من الخبز والطحين والمعكرونة، حيث يبعدها اليهودي من بيته قبيل عيد الفصح لأنه جرى خَبزها بالخميرة، لذا أحضرناها لغسان.
صعدنا إلى الشقة الصغيرة حيث يقيم غسان مع أسرته. دخلت ابنة غسان الصغيرة ذات السنتين ونصف السنة وحيّت كلا منا بخجل... شرح لنا موسى أن الخليل مدينة تقليدية جدا. أحضر غسان مشروبات باردة وتفاحا وخيارا. عرض علينا أوراقه الرسمية، التي قمت بتصويرها مستخدما الكاميرا التي يحملها إيليوت.
شرح إيليوت أننا أحضرنا الغسالة كذكرى لصديق لنا رَحَل. وأننا أتينا لأننا متدينون، وليس رغم تديننا، لأن هذا هو ما نؤمن أن الدين اليهودي يتطلبه. بدا غير مرتاح قليلا. يجب ألا يكون من الضروري تفسير ذلك. ولكن الجنون مفترض في الخليل، ويجب تفسير ما هو عقلاني.
أنا لا أدعي أن إعطاء أحد ما غسالة سوف يؤدي إلى السلام، تماما مثلما لا أدعي أن التبرع لعمل الخير سينهي الفقر. ولكن كما قال الحاخام ترفون «لا يتوقع منك أن تنهي المهمة، ولست حرا لأن تتوقف عنها». أنا متأكد أن جيرالد سيكون سعيدا أننا أحضرنا الغسالة لغسان، وأنا شاكر لجميع الأصدقاء الذين ساعدونا.
تبادلنا أرقام الهواتف، واقترحنا أساليب يمكن لغسان من خلالها استشارة محامٍ. ودّعناه وافترقنا وقدنا السيارة عودة إلى جنوبي القدس عبر التلال المدرّجة.
*مراسل رئيسي في «The American Prospect» وهو مؤلف «امبراطورية بالصدفة: (إسرائيل) وميلاد المستوطنات 1967 - 1977» وكذلك «نهاية الأيام: التطرف والنضال من أجل تلة الهيكل» ولديه مدونة، وينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2071 - الأربعاء 07 مايو 2008م الموافق 01 جمادى الأولى 1429هـ