طالب الرئيس الأميركي جورج بوش الكونغرس بإقرار معونة غذائية تبلغ قيمتها 770 مليون دولار، للمساعدة في الحد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تهدد بنشر المجاعة والاضطرابات في أرجاء العالم. وستخصص المعونة - في المقام الأول - للمحتاجين في إفريقيا، وهي ضمن موازنة أشمل تبلغ 70 مليار دولار مخصصة لتمويل حرب العراق للعام 2009. كما أن هذه المعونة في حال إقرارها، ستكون إضافة لمعونة غذائية عاجلة تبلغ قيمتها 200 مليون دولار، كان الرئيس قد طالب بالإفراج عنها قبل أسبوعين.
على نحو متصل كان بوش، قد وجه اللوم إلى الطبقة المتوسطة في الهند التي تشهد ازدهارا ونموا كبيرا، لاسهامها بصورة رئيسية - حسب إتهامات بوش- في ارتفاع أسعار الاغذية في جميع أنحاء العالم، إذ قال: «إن ارتفاع مستوى الطبقات الوسطى أدى إلى ازدياد الطلب على السلع والغذاء، وهذا هو سبب ارتفاع الأسعار عالميا وخصوصا أسعار الحبوب».
ولم يكن بوش هو الزعيم الغربي الوحيد الذي ألقى باللوم على «الطبقة المتوسطة الهندية» معتبرا إياها السبب وراء أزمة الأسعار والغذاء في آن، فقد سبقته إلى ذلك اللوم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي صرحت بأن «السياسات الزراعية السيئة وتغير العادات الغذائية في البلدان النامية هي المسئولة أساسا عن ارتفاع أسعار الغذاء وليس انتاج الوقود الحيوي». وقالت ميركل: «من يسافر إلى الهند هذه الأيام سيلاحظ أن النقاش الرئيسي يدور حول الوجبة الثانية... الناس يأكلون مرتين في اليوم واذا كان ثلث الشعب الهندي البالغ تعداده مليار نسمة يفعل ذلك فهؤلاء عددهم 300 مليون نسمة. ذلك جزء كبير من أوروبا الغربية».
يتجاهل هؤلاء القادة الغربيون ماجاءت به كل التقارير العالمية التي توجه أصابع الإتهام نحو أسباب آخرى ليست الطبقة المتوسطة في الهند أو في أي بلد نام آخر من بينها. تكفي الإشارة إلى تقرير صدر حديثا عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، يدعو إلى «إجراء تغييرات عاجلة في طرق انتاج الأغذية للتغلب على مشكلة ارتفاع الأسعار التي تهدد بإفقار الملايين من البشر، (ويوصي التقرير) باعتماد اجراءات أفضل لحماية الموارد الطبيعية وباستخدام سبل زراعية أكثر مواءمة مع البيئة مثل الاعتماد على الإنتاج المحلي عوضا عن استيراد المحاصيل من أماكن بعيدة».
ويؤكد التقرير أن «التوسع في انتاج الوقود العضوي المستخدم عوضا عن النفط وارتفاع أسعار النفط تمثل بعض العوامل التي تقف وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية».
الشيء الذي يدركه بوش وغيره من القادة الغربيين، ويخشونه في آن هو أن الحوادث التاريخية تثبت بأنه في حالات كثيرة قادت الطبقة المتوسطة عجلة التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والتكنولوجي. لذلك فإن هناك علاقة طردية بين حجم الطبقة المتوسطة والتنمية الاقتصادية.
في الوقت ذاته هناك علاقة عكسية بين مصالح دول الإقتصادات النامية مثل الهند والصين وتلك المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا الأمر هو الذي يدفع بوش وأمثاله إلى تحميل الهند مسئوليات المجاعة وأزمات الغذاء العالمية. يضاف إلى ذلك، هو ذلك المستقبل الواعد الذي ينتظر الهند كدولة ديمقراطية متعددة الأديان والإثنيات. فالكل يعرف - بمن فيهم بوش - تلك العلاقة الوطيدة بين الحرية السياسية والنمو الاقتصادي فلا يمكن لأي دولة نامية أن تتحول إلى دولة متقدمة إلا إذا تبنت النظام الديمقراطي السائد في الغرب، وهو ما يتوفر في الهند في الوقت الحالي، أكثر من أية دولة نامية سواها بما فيها الصين، ذات الإقتصاد المتين والمتنامي.
الشيء الذي يخفيه بوش هو تلك الأكلاف اللامحدودة واللامبررة التي تنفقها دول مثل الولايات المتحدة على تحركاتها العسكرية التي لاتتوقف حتى والعالم على شفير مجاعة. ففي الوقت الذي يوجه فيه بوش أصابع الإتهام إلى الطبقة المتوسطة الهندية، تصدر وزارة الدفاع الأميركية - وبوش على علم بذلك - أوامرها بتحرك «مجموعة الحاملات الهجومية» من ميناء سان دييغو، من دون أن تعلن تحديد توجهها. وبينما تصرت مصادر البنتاغون كعادتها على عدم الإفصاح عن وجهة هذه المجموعة التي تعد الأضخم إذ تضم ست سفن حربية على متنها 5500 جندي مارينز وبحار، تؤكد مصادر أخرى أن تاريخ تحرك هذا المركب العسكري الضخم يشير إلى أنها متوجهة إلى الخليج العربي أو بالقرب منه، حسب صحيفة «الخليج» الإماراتية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2070 - الثلثاء 06 مايو 2008م الموافق 29 ربيع الثاني 1429هـ