لم تفاجئني سرعة رد الفعل وكثرة الرسائل، المختلفة الاتجاهات والآراء، تعليقا على ما طرحته في هذا المكان، من اقتراح مشروع وطني للخروج من الأزمة الخانقة، التي تمر بها مصر مع عدد آخر من الدول العربية في الوقت الراهن.
وإذا كانت بعض هذه الرسائل عبثيا وربما عدميا يمتلئ باليأس والإحباط، وصولا لقول بعضهم ونصحهم لي بأنك تنفخ في قربة مقطوعة، والأفضل لك أن تلزم بيتك، وهذه نوعية تعبر بالضرورة عن قطاع شعبي لم يعد له أمل في الإصلاح، جراء ما يرى ويسمع ويعايش من تدهور اقتصادي اجتماعي واحتقان سياسي.
إلا أن الغالبية الساحقة من الرسائل جاءت مشجعة متحمسة لما سبق طرحه، أملا في الخروج بسلام من الأزمة الراهنة، ورهانا على أن في هذا الشعب قوى سياسية وفكرية قادرة على بلورة مشروع للإصلاح الحقيقي. إن امتلكت الشجاعة والمبادرة، دون انتظار إذن أو تصريح من أحد!
غير أن ما لفت نظري في كم هذه الرسائل، رسالة تقول نحن معك في مشروعك، ولكن من أين تأتي بمئتي شخصية شجاعة تشكل هيئة وطنية، تضع رؤية مستقبلية لمصر حتى العام 2025 وتبلور المشروع السياسي للإصلاح المأمول، وأضاف صاحب الرسالة «الذي لم يذكر اسمه ولكن ذكر وظيفته أستاذ بجامعة القاهرة» أتحداك أن تذكر لنا عشرين اسما يصلحون للقيام بهذه المهمة شبه المستحيلة أو الانتحارية!
حسنا ها أنا ذا أقبل التحدي، وأطرح على القراء قائمة أولية تضم خمسين أسما وليس عشرين، أتصورأنها قادرة معي على قبول التحدي، وراغبة في إصلاح أحوال العباد وإنقاذ البلاد، ليس فقط من الاحتقان السياسي ولكن أيضا من الأزمة الاقتصادية الاجتماعية، التي تخنق عشرات الملايين بالفقر والبطالة والغلاء وجنون الأسعار، وتآكل دور الدولة في ضمان خدمات جيدة من التعليم والصحة والسكن والمواصلات والغذاء.
اليوم نخطو خطوة عملية جديدة. ونقترح أن تتكون لجنة تحضيرية للمشروع الوطني الجديد للإصلاح والإنقاذ، وتكون مهمتها الأساسية أولا استكمال عدد الأعضاء إلى مئتي شخصية، وثانيا إقرار أو تعديل مبادئ عملها التي اقترحناها من قبل وهي خمسة مبادئ، أولا: بلورة إصلاح ديمقراطي حقيقي، وثانيا: التزام صريح بالعودة للتنمية البشرية الشاملة والمستديمة، وثالثا: تحقيق العدالة الاجتماعية كمبدأ رئيسي في بلاد فقيرة، ورابعا: صوغ التزام مجتمعي تاريخي بمحاربة تحالف الفساد والاستبداد، وخامسا: ترشيد الليبرالية المتوحشة وقمتها العولمة الشرسة، التي أطلقها علينا بعض الهواة والمغامرين وجامعي الثروات بأسهل الطرق على حساب إفقار الشعب.
ولمن يطرحون التحدي، هاكم قائمة أولية بأسماء الخمسين الأوائل وتضم كلا من: الدكتور أحمد زويل، الدكتور مجدي يعقوب، الدكتور محمد البرادعي، محمد فائق، د. محمد سليم العوا، د. أنور عبدالملك، المستشار طارق البشري، كامل زهيري، د. جابر عصفور، د. فؤاد رياض، د. هشام صادق، د. سمير أمين. د. أحمد الجويلي، د. محمود الإمام، سمير مرقص، سيد ياسين، يعقوب الشاروني، جميل مطر، د. حازم الببلاوي، د. نادر فرجاني، د. محمود عبدالفضيل د. علي الغتيت، السفيرة مرفت التلاوي، د. منى البرادي، المستشارة تهاني الجبالي، السفير شكري فؤاد، د. صلاح عامر، جمال الغيطاني، د. أحمد الغندور. د. حسن حنفي، د. عواطف عبدالرحمن، د. شهيدة الباز، سميحة أيوب، سليمان جودة، د. نصر أبو زيد، د. هشام الشريف، جمال أسعد عبدالملاك، حمدي قنديل، د. محمد نور فرحات، السفير إبراهيم يسري، لويس جريس، د. سعاد صالح، د. نجوى الفوال، د. سوزان قليني، د. إبراهيم درويش.
يضاف إليهم خمس شخصيات بحكم مناصبهم ذات الصلة، وهم: رئيس المحكمة الدستورية العليا، رئيس محكمة النقض، رئيس نادي القضاة، نقيب الصحافيين، نقيب المحامين.
وقد راعيت في اقتراح هذه القائمة الخمسينية، أن تكون ممثلة بقدر الإمكان لطوائف وفئات المجتمع، فهي تضم شبابا وشيوخا، ورجالا ونساء، مسلمين ومسيحيين، علماء وقانونيين وإعلاميين، وأدباء وقضاة وأطباء، وسفراء «سابقين» وحاملي جائزة نوبل، وأساتذة جامعات، كما أنها تخلو من الرسميين والحزبيين والمستوزرين، اللهم إلا اثنين من الوزراء السابقين جدا.
وقصدت بذلك ضمان الاستقلالية لهذه اللجنة التحضيرية، سواء عن الحكومة، أو عن الأحزاب السياسية قاطبة وأولها الحزب الوطني الحاكم، وأظن أنها تضم أسماء ذات سمعة محترمة لم تتورط في فساد ولم تروج لاستبداد، ولم تخضع لإغراءات الثروة أو إغواءات السلطة، وبالتالي فهي تصلح للقيام بهذه المهمة. التي يصفها البعض بالمهمة المستحيلة، وأراها ممكنة إن توافرت الإرادة والعمل الجدي والنقاش الموضوعي الهادف بعيدا عن لغة التحريض وحملات المزايدات!
أعرف أن مجرد طرح هذه القضية، قضية بلورة «رؤية لمستقبل مصر حتى 2025»، تمثل حساسية شائكة عند كثيرين، خصوصا في الحكومة والحزب الوطني، الأمر الذي قد يعرقل ويجهض المشروع المقترح في مهده، وبالمقابل أدرك أن بعض الأسماء المقترحة قد تجد حرجا سياسيا وربما تشعر بخوف أمني، من دخول هذه التجربة الشعبية، وهذا كله وارد ومفهوم، فرأس الذئب الطائر، علمت الناس الحكمة وألهمتهم الحذر بل زرعت في النفوس الخوف!
غير أني أرى أن هذه قضية وطن يعيش أزمات طاحنة، لم تكن الإضرابات والمظاهرات والاحتجاجات على تردي أحوال المعيشة في ظل الغلاء الفاحش والبطالة، إلا مقدمة لما هو أسوأ، وبالتالي فإن الإنقاذ يجب أن يبدأ الآن وفورا، طالما إننا تلكأنا في إجراء إصلاحات حقيقية واسعة، تفتح باب المشاركة في صنع القرار وتداول السلطة وإطلاق الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان السياسية والمدنية والاقتصادية الاجتماعية.
ولو كان قد حدث هذا من قبل، لما تركتنا الدولة في مخالب الليبرالية المتوحشة والعولمة الشرسة، تفتك بالشعب، وتصنع من رغيف الخبز أزمة مجتمعية، ومن البطالة عقدة شبابية، ومن الإضرابات الاحتجاجية الساخنة وسيلة للرفض، ومن الانترنت ومواقعها المتوالدة بكثرة، منابر للصراخ، طلبا للتغير... أي تغيير.
لا نريد لهذا الوطن أن يستسلم لأزماته الطاحنة، فيهوى ويجر خلفه دولا عربية أخرى، ولهذا نفكر ونجتهد بحثا عن طريق ثالث، يخرجنا من هذا المأزق التاريخي... «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله...» (هود:88)، والإصلاح الحقيقي يبدأ بالاجتهاد وإعمال العقل، بحثا عن طريق غير الطريق الذي قادنا إلى هذه الأزمة المحتكمة.
خير الكلام: يقول عمرو بن كلثوم:
لا يخبر عن فضل المرء أصدق من تركه تزكية نفسه!
إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"العدد 2070 - الثلثاء 06 مايو 2008م الموافق 29 ربيع الثاني 1429هـ