العدد 2069 - الإثنين 05 مايو 2008م الموافق 28 ربيع الثاني 1429هـ

بوش... وذكرى الستين

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

لا أجد فرقا بين الرئيس الأميركي بوش واليهودي أولمرت فكلاهما وجه واحد لعملة واحدة، ولهذا لم أستغرب عندما قرر الرئيس بوش حضور الاحتفالات الصهيونية بذكرى مرور ستين عاما على احتلال الأراضي الفلسطينية، فهذا الرئيس يبدو في كثير من الأحيان أكثر حماسا من الصهاينة على ارتكاب كل الجرائم البشعة التي نراها شبه يومية في فلسطين.

الرئيس «بوش» ومنذ بداية توليه الرئاسة وهو يعلن أنه أول رئيس أميركي يعمل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وما فتئ يردد هذه الأقوال حتى وهو على وشك الزوال.

الأميركان يقولون عنه إنه أسوأ رئيس أميركي، وحتى الآن يبدو أنه كذلك، فوق أنه أكذب رئيس أميركي، فلم نرَ الدولة الفلسطينية قامت بل إنه استقبل الرئيس الفلسطيني في آخر زيارة له بصورة أزعجت الأخير وجعلته يعود من واشنطن من دون وعود حتى ولو كانت كاذبة.

وبمناسبة الوعود الكاذبة فكلنا نتذكر أنه قبل خمس سنوات أعلن نهاية حربه في العراق وها هي الحرب تزداد يوما بعد آخر، ومع هذا كله فمازال الرئيس يعلن أنه حقق تقدما كبيرا في العراق وأن العراق سيكون النموذج الحقيقي للديمقراطية في العالم العربي!

وما قاله عن العراق يقوله عن أفغانستان مع أن الجميع يعرف أن قوة طالبان في ازدياد، بل إنهم كادوا يقتلون الرئيس الأفغاني قبل عدة أيام.

الصهاينة يستعدون للاحتفال بمرور ستين عاما على اغتصابهم لفلسطين، وهم يحتفلون يوميا بقتل أعداد من الفلسطينيين، رجالا ونساء وأطفالا، كما يحتفلون بحصار أكثر من مليون ونصف المليون من المواطنين ومنع أهم مقومات الحياة عنهم، والقول إن الفلسطينيين أعداء يجب محاربتهم على الدوام.

من حق الصهاينة أن يفعلوا ما يشاءون، ومن حقهم أن يقولوا ما يروق لهم، ولكن ماذا قال العرب، وماذا سيفعلون؟!

يدور حديث كثير عن التهدئة بين الفصائل الفلسطينية والصهاينة، وقد قبل الفلسطينيون هذه التهدئة التي تم بحثها في مصر وتحت رعايتها ولكن الصهاينة بحسب كل أقوال زعمائهم أعلنوا أنهم لن يقبلوا هذه التهدئة لأنها - كما يقولون - تصب في مصلحة «حماس» وهم لا يريدون لحماس ولكل أهالي غزة أن يعيشوا في هدوء مادامت الأوضاع كلها تصب في صالحهم.

الصهاينة ارتبكوا مجزرة بشعة في بيت حانون فقتلوا عائلة بأكملها، أم وأربعة من أبنائها، فماذا حدث؟

الرئيس الأميركي لم يرَ مطلقا هذه المجزرة، ولم يرَ الجثث المتفحمة للأطفال وأمهم وإنما الذي رآه فقط الصواريخ الفلسطينية التي تنطلق من غزة وكأن هذه الصواريخ هي التي تحدث المجازر في «إسرائيل».

وزيرة الخارجية الصهيونية كانت أكثر وقاحة فقررت - فض الله فاها - أن المسلحين الفلسطينيين هم الذين قتلوا العائلة كلها ولا علاقة للجنود الصهاينة بهذه المجزرة!

بطبيعة الحال هذه ليست أول عائلة يقتل الكثير من أفرادها، وليست أول عائلة تهدم منازلها وتجرف مزارعها فهناك الكثير من هذه العوائل التي أصيبت وتفرقت وفقدت الكثير من أبنائها.

والجرائم الصهيونية لم يسلم منها أحد، لا من قادة المقاومة جميعا، ولا من الأفراد الذين لا علاقة لهم بالمقاومة، ولا من الحجر أو الشجر.

لكن إذا كان الصهاينة يفعلون ما يعتقدون أنه حق، فماذا فعل العرب في الدفاع عن بلد عربي وعن شعب عربي وعن المقدسات الإسلاميين في فلسطين؟

مصر مازالت تقيم علاقات طبيعية مع الصهاينة ومثلها الأردن وكذلك بعض الدول العربية الأخرى، بحجة أن هذه العلاقة تصب في مصلحة الفلسطينيين، فإذا كان الأمر كذلك فأين هذه المصلحة ومتى نراها إذا كانت لم تظهر في هذه الظروف المأساوية التي يمر بها سكان غزة؟

أليس من المؤسف أن نسمع أن الغاز المصري بدأ يتدفق في اتجاه «إسرائيل» في الوقت الذي ترفض فيه «إسرائيل» الهدنة التي انطلقت من مصر وبمباركة مصرية؟

أليس من المؤسف أن نرى أن معظم الدول العربية تكاد تلتزم بالصمت المطلق إزاء ما يجري في غزة؟

أليس من المؤسف أن نرى قطر تستقبل وزيرة الخارجية الصهيونية لتشارك في منتدى الدوحة الثامن للديمقراطية ويسمح لها أن تقول بوقاحة: إن الدول العربية فيها متشددون ومعتدلون؟ وبطبيعة الحال هذا التقسيم من وجهة نظرها، فالمتشددون هم من يقف ضد الصهاينة وجرائمهم والمعتدلون هم القسم الآخر؟

أليس من العيب أن يُسمح لها أن تهاجم إيران وتصفها بالدولة المارقة؟

وبغض النظر عن اختلاف البعض مع إيران إلا أن السماح لها باتهام إيران ومن دولة عربية أمر معيب.

إن واجب دولنا العربية أن لا تقف مكتوفة الأيدي فتعطي دعما مباشرا للصهاينة ليفعلوا ما يشاءون لأنهم يرون أن العرب صامتون والغرب والأميركان مؤيدون. إن أبسط الحقوق الإنسانية أن يفتح المصريون معبر رفح ولا يكتفوا بالقول إن هناك معاهدات لا تسمح بمثل هذا العمل لأنهم يرون أن الصهاينة لا يمتثلون لأية قوانين مهما كانت الجهة التي تصدرها، فلماذا العرب وحدهم هم من ينبغي أن يمتثل لقوانين ظالمة؟

ومن واجب العرب جميعا أن يدعموا أهالي غزة بكل شيء يحتاجونه من أجل الدفاع عن أنفسهم، لأنهم بهذا العمل يرفعون مكانتهم أمام العالم كله ويجبرون الآخرين على احترامهم.

الصهاينة استقبلوا الرئيس كارتر ببرود شديد، بل لم يسمحوا له بزيارة غزة لأنه - فقط - أعلن عن رغبته في لقاء بعض قادة حماس، وأكثر من ذلك شنوا عليه حملة شرسة، وسؤالي: هل يستطيع العرب أن يفعلوا شيئا من هذا مع أعدائهم؟ وأية مصلحة لهم في إظهار الفرح باستقبال بوش الذي وعدهم بزيارة في الأيام المقبلة؟

للصهاينة أن يحتفلوا كما يشاءون، وللرئيس بوش أن يحتفل معهم كما يشاء، لكن الواضح أن هذه الدولة وعلى رغم مرور الستين عاما وعلى رغم كل الإمكانات لديها قد فشلت وأن بوادر زوالها قد بدأت.

ليت العرب جميعا يتحركون، وليتهم يدركون أنهم يملكون كل عناصر القوة، وأنهم أقوى بكثير من الصهاينة ومن معهم... ليت!

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2069 - الإثنين 05 مايو 2008م الموافق 28 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً