الطائفية مرضٌ وبائي نعاني منه، كما انه أحد أشكال العنصرية، فما الفرق بين أن تكره إنسانا للون بشرته، أو لعرقه أو مذهبه أو قبيلته... فكلّها مظاهر استئثار وتخلف ونكوص إلى الجاهلية.
والطائفية مرضٌ يعترف الجميع بوجوده، بدليل استنفار هذا العدد الكبير من الصحافيين والإعلاميين للتوقيع على الوثيقة المضادة للطائفية. وسبقتها محاولاتٌ أخرى من قوى المجتمع المدني أيضا، لعل آخرها اجتماع 500 شخصية بحرينية من مختلف الأطياف في مؤتمر الحوار الوطني قبل شهرين. إذا فالهم بات يشغل الجميع بعد أن طفح الكيل.
ثم إن محاربة الطائفية ليست شأنا نظريا، أو خطبة منمقة، وإنّما ترتبط بمجمل عملية الحراك الاجتماعي، ولذلك ستصطدم هذه الدعوة بالمستفيدين من استمرار الوضع الطائفي الموبوء. وأول تكتيكات الدفاع عن المصالح والمواقع هي الهجوم على أيّة جهات تعمل على محاربة الطائفية وتعريتها والتحذير من عواقبها على الوطن، وأفضل طريقةٍ للهروب من قفص الاتهام اتهام من يحارب الطائفية بالطائفية، حيث تنقلب الموازين.
الطائفية موجودة في بلادنا، وندرك تماما أنه لا يمكن محاربتها أو محاصرتها من خلال توقيعٍ على وثيقة، فالداء قد نخر العظام، فمن هذا المستنقع تتفرّع أمراضٌ أخرى، كالتمييز وتخوين الآخرين واتهامهم في وطنيتهم، بعد أن أصبح لدينا شريحةٌ طفيليةٌ تتعيّش على هذه الطروحات، وإذا انتقدتهم أصبحت أنت طائفيا!
الفكر البشري اليوم انتقل في العالم الحر إلى تجريم التمييز في التوظيف ضد من بلغوا سنا معيّنا، بينما ما زلنا في حبونا على طريق حقوق الإنسان نعارض تجريم التمييز بين المواطنين بسبب العرق أو الطائفة أو القبيلة.
لنختلف في كل شيء، في الاقتصاد والسياسة والاجتماع... وحتى في الفن والرياضة، فهذه طبيعة الحياة وما يفرضه المجتمع المتعدد الألوان، ولكن علينا أن نتفق على عدم إخراج الآخر من الدين ونحتكر الوطنية، ونطرده من الإنسانية. مبادئ بسيطة جدا، لكننا مازلنا نكرّرها ونطالب بها منذ سنوات، وكنا منسجمين تماما مع أنفسنا، لم نغيّر ولم نبدّل في المواقف والأفكار.
مع ذلك... نراهن على المستقبل، وعلى القوى الخيّرة، على الجانب الرسمي والأهلي، للخروج من هذا النفق، وعدم ترك الأمور لأية جماعات تستحلب المصالح، فالبحرين أمام سيناريوهين فقط لا ثالث لهما: إما معالجة الطائفية بطريقةٍ جذريةٍ تحفظ مسار البلد ومستقبله، وإما ترك الحبل على الغارب، ليغرق المركب.
لقد بحّ صوتنا، ونحن ننادي بالمساواة والعدالة وحقوق الإنسان، ولم نحصد غير الاتهامات. والعملية كفاحٌ حقوقي طويل، فالطائفية مرض، ومن يدافع عن استمرارها أو يناور ويداور في تبريرها، إنما هو شريكٌ في هذه الخطيئة التي ترتكب في حق هذا المجتمع.
قرارٌ إصلاحي
إقرار مجلس الوزراء أمس الأول تعديلات قانون تنظيم الصحافة، وإلغاء عقوبة الحبس على الصحافي بما فيه الحبس الاحتياطي، خطوةٌ مهمةٌ ومنسجمة مع الإصلاح، وهو أمرٌ طال انتظاره من قبل الصحافيين.
إحدى الصحافيات علّقت متنهدة: «الحمد لله... فلو كان القانون السابق يُطبّق حرفيا لسُجن أكثر الصحافيين، ولأصبحت صحفنا المحلية مجرد نشرات للعلاقات العامة». وهو قرارٌ سيعزّز سمعة البحرين ويرفع اسمها بين الدول التي تحترم حرية الكلمة والتعبير.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2069 - الإثنين 05 مايو 2008م الموافق 28 ربيع الثاني 1429هـ