انتهت جولة انتخابات التشريع الثامنة في إيران لصالح التيار المبدئي (المحافظ). فالغالبية التي حقّقها هذا التيار هي في النهاية غالبية مريحة ومُجزية.
ترقيم الانتخابات كان كالآتي: 198 نائبا من المبدئيين (المحافظين) أي نحو 70 في المئة، و47 نائبا من الإصلاحيين أي نحو 16 في المئة، و42 نائبا من المستقلين أي نحو 14 في المئة دخلوا البرلمان الإيراني في دورته الثامنة (تمّ إلغاء أصوات 3 دوائر انتخابية سيُعاد النظر فيها).
إذا فالمحاصصة القانونية قد انتهت، وما بقي من محاصصة سياسية (سائلة) أمام النُواب الجُدد قد تكون أعقد وأكثر سخونة ومصيرية من سابقتها. لأنها خاضعة إلى توازنات دقيقة تحكم أجهزة النظام كافة.
لم يعد الحديث أمام سطوة إصلاحية داخل المجلس الثامن؛ فوجودهم لم يعد قادرا على تشكيل «ظاهرة برلمانية» نشطة حتى مع إعلانهم النّيّة في التحالف مع النواب المستقلين لسبب واحد وبسيط، وهو أن الخريطة الجديدة للمستقلين تُبيّن أن سوادهم أميل إلى المبدئيين.
وربما تكون الفرصة لإقامة تحالف بين الإصلاحيين والمبدئيين هي من خلال دائرة الاشتراك بين نواب اعتماد ملّي بزعامة الشيخ مهدي كروبي والنواب التقليديين من المبدئيين بزعامة الشيخ مهدوي كني وحلفائهم، وما عدا ذلك فلا أعتقد بأن المساعي ستحقق نتائج عملية على الأرض.
إذا فالحديث ربما يدور بشكل رئيس حول العلاقات المبدئية داخل أروقة المجلس، على رغم أن قوائم اليمين في الانتخابات كانت مشتركة بنسبة ثمانين في المئة بعد شفاعة عدد من شيوخ السياسة لتقليل الهوة بين الكتل المتعددة، لكن كلا المرحلتين خاضعتان لظروف خاصة ومعقدة.
الخريطة النيابية للتيار المبدئي طيلة السنوات الثماني الماضية كانت متبدلة، فهم خلال البرلمان السادس (2000) كانوا (كأقليّة) كتلة صمّاء في قِبال غالبية التيار الإصلاحي الذي كان يعيش أيامه الذهبية.
وفي البرلمان السابع (2004) كان المحافظون يتمالئون بقوة في تشذيب ما تبقى من حكومة الرئيس خاتمي التي كانت تعيش عامها الأخير. أما المحافظون في البرلمان الثامن (2008) فهم على ثلاث شُعب: التقليديون والتحديثيون والموالون للحكومة النجادية ممن يُنعتون بقائمة الرائحة الزكية.
ويكون اللاعب الأكبر في هذه المرحلة ضمن المسطرة المحافظة هم التحديثيون الناقدون للحكومة، فهم بالأساس نشوء ديناميكي أكثر قربا لخط النار من المبدئيين التقليديين الذين آثروا في مراحل متعددة الركون إلى الظل والاكتفاء بالنقد العام لأداء الحكومة التاسعة.
النقطة المهمة والجوهرية في هذا الحراك هو أن التيار المبدئي بتشكيلاته الثلاثة ليس تيارا هامشيا في السياسة الإيرانية، بل هو صاحب نسب سياسي عريق وممتد. وبه ومن خلاله تنسجم فضاءات النظام القابضة على الهوية الدينية.
وعندئذٍ فإن أطيافه الثلاثة قد لا تعني تمايزات وتباينات بالنسبة إلى تلك الفضاءات، بل هي تعتبرهم جداول فرعية تصبّ في عين واحدة. لذلك فإن هويته السياسية تسمح بأن يقدم رؤية مختلفة ضمن الخط الثوري والمبدئي معا.
الأكثر من ذلك وهي أن شخوص الشُعَب المبدئية جميعها قريبة من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وهي حينها صاحبة علاقات مستقرة وغائرة مع أعلى هرم السلطة، بل إن كثيرا من مشكلاتها التنظيمية يتمّ الرجوع فيها إلى شخص المرشد.
الآن وبعد أن يحصل طيفان من المبدئيين (التقليديون والتحديثيون) على حظوة أعلى داخل المجلس فقد يحققون مكسبا سياسيا على مستويين. الأول على رئاسة ومكتب المجلس والثاني عبر نمط جديد من محاسبة الحكومة.
على المســــــتوى الأول فإن مآلات الأمور ستكون أكثر انبساطا، عبر إشراك نواب الشيخ الكروبي مــع الأكثر حضورا داخل المجلس عبر الأصوات التي استحصلها. وضمن المستوى الثاني فقد تكون الحركة النيابية (الناقدة) أكثر مباشرة وتماسا، وخصوصا أن الكثير من الملفات قد جُمّدت من قِبل المبدئيين في تباينهم مع الرئيس، وتحديدا مسألة التوزيرات ومدى شمولها لجميع أطياف المبدئيين.
فالرئيس أحمدي نجاد وطيلة الفترة السابقة لعمل حكومته (أغسطس/ آب 2005) قاد حركة راديكالية تجاه القوى الحليفة له. فالتغييرات التنفيذية التسعة التي أجراها وأيضا اختطاطه منهجا اقتصاديا محددا قد دفعت بحلفائه إلى إعادة النظر في الدعم المقدم له خلال المرحلة المقبلة.
هم ينظرون إليـــه على أنه خيار إيران للمرحلة الراهنة لكنـــــهم لا يُبــــرؤون ساحـــــته من بعض السياسات التي أقرتها وتقرها حكومته. فالظروف التي تمرّ بها إيران خلال هذه المرحلة وخصوصا بعد قرارات مجلس الأمن بشأن الملف النووي الإيراني وتبعات ذلك على خطط الاقتصاد والعلاقات الخارجية والتجارية تتطلب استقرارا سياسيا في الداخل.
ففي مجال الخطة الاقتصادية للحكومة يرى التحديثيون والتقليديون أن ضخ ّ الرئيس أحمدي نجاد للسيولة وتمويل المشروعات الخدمية الأساسية هو أمر جيد بالنسبة إلى الإيرانيين لكنه أيضا تسبّب في ارتفاع التضخم وإن بشكل طفيف، وإذا ما كان التيار المحافظ يسعى إلى كسب مزيد من القاعدة الجماهيرية فإنه حتما سيتجنب أية أسباب اقتصادية سلبية قد تؤثر على مسار الناخب الإيراني مع قرب انتخابات رئاسة الجمهورية.
المبدئيون التقليديون يعتقــــدون بأن الخطــــط الاقتصــــادية ودهــــاليز السياسة الاقتصادية لإيران هي وريث تقليدي لهم، وحينها فإنهم يرون في استبعاد عدد من منتسبيهم عن السلطة التنفيذية وخصوصا رئيس البنك المركزي السابق ووزير الاقتصاد المقال إضرار بخيارات الخط المبدئي عموما.
فهم من أدار المباحثات مع شركتي توتال وشل في ظل العقوبات الدولية وأبقى على استثماراتهم في القطاعين 11 و13 من حقل بارس الجنوبي، وهم من وضع البرامج الخاصة بإنتاج الصناعات والبتروكيماويات، وهم من نسج علاقات إيران التجارية مع شمال أوروبا.
في النــــهاية يبــــقى المجلس الثامن من أهم المجالس النيابية الإيرانية الذي سيضطلـــــع إلى جانب التشريع مسألة ضبط العلاقـــــــــة داخـــل قوى اليــمين، وأيضا المجـــــلس الذي سيعيــــش مرحلتين مختلفتين إذا ما جاء النـــــاخب الإيراني في العـــام 2009 بمفاجآت أخرى لإيران.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2068 - الأحد 04 مايو 2008م الموافق 27 ربيع الثاني 1429هـ