هكذا تسير بك الحياة اليوم، ويصعب عليك إرجاعها للوراء، كما يصعب عليك التوقف مكانك، فالكل يحث السير، وأنت جزء من هذا الكل، وعليك أن تهرولي مع الجميع فالوقوف خطر عليك وعلى سلامتك.
كافحت يوما ما من أجل العلم والتعلم، ونلت مكانتك العلمية الشامخة بتفوق فاق الذكور في مدارسهم، فأنت المخلصة والصابرة على العلم والمعرفة، وحين تبلورت مكانتك فتحت لك أبواب العمل والعطاء لتكوني اليد الشريكة في البناء والتقدم، وهكذا كنت، مخلصة صبورة معطاءة ومنتجة. لقد تغيرت صورتك أمام الآخرين خارج أسوار الأسرة، أما في المنزل مع زوجك وأبيك فأنت أنت، وحتى تحديد موعد آخر ستبقين كما كنت. يوم الأربعاء الماضي كنت شاهدا على قضية وقعت تفاصيلها بيد زميلي العزيز الشيخ حسين آل صويلح، هذا الرجل المتفاني في خدمة مجتمعه والاهتمام بشئونه، فتاة في ريعان الشباب تسكن منزل والدها مقيدة بالسلاسل التي تمكنها فقط من الوصول إلى غرفة نومها، وإلى دورة المياه التي في منزلها، سألته هل لأنها مجنونة فيخافون عليها من الخروج للشارع؟ الجواب لا، هل هي مؤذية ويخشون أذاها؟ الجواب لا، هل ارتكبت عارا أو فعلت شنارا؟ الجواب لا، إذا لماذا هكذا تعيش كالحيوان؟ (كرمها الله)، سألته أين عائلتها الكبيرة أين رجالها ونساؤها، أجابني المشتركون في هذه الجريمة أكثر من الأب والإخوة، لقد صدمت حين تأكدت من صحة القضية وتفاهة السبب.
ولعل غيورا على الدين أو القيم أو العادات يقول لي أنت لا تعلم ماذا فعلت؟ وأجيبه بلى لدي دراية تامة بما صنعت، وأعرف أنه سبب أتفه من التافه، ثم لتتصور ما تتصور من الأمور، أيحق لأحد أن يعاملها هكذا؟
أوردت ما سبق ليكون إجابة عن بعض ايميلات القراء الكرام، بشأن مقالي السابق «حرمك الله من رائحة الجنة»، فالبعض لم يتصور أن يجور الأب على راتب ابنته ويستولي عليه؛ لأن الأب عنوان الرحمة والعطف والحنان، فكيف يفعل خلاف ذلك؟ أقول: كل ذلك صحيح فالأب يرجو سعادة ابنته ويقدم سعادتها على سعادته في الوضع السوي، لكن مجتمعنا يعجّ بوقائع وقصص تكشف أن المخبأ مؤلم جدا ونتن أكثر مما نتصوّر، وهذا ليس حكرا على منطقة أو بلد معين، بل دونك أيها القارئ أوضاع المرأة في كل مكان، فالاطلاع يكوّن صورة حقيقية عن واقع المرأة بيننا.
لا يمانع بل يشترط
بعد وساطات كثيرة وتدخل من الأهل والمعارف والضغط لمعرفة السبب لرفضه السادس لزواج ابنته الوحيدة، اضطر ولي الأمر للإفصاح عما في داخله، ومحاولة معالجة وخز الضمير الذي بدأ يستيقظ تحت وقع السؤال الملح من المحيطين، ليخبر ابن أخته المتقدم لزواج ابنته، أن سبب منعي من قبول المتقدمين السابقين هو عدم قدرتي على الحديث معهم بشكل صريح، ولكن صلة القرابة هذه جعلتني أكثر انطلاقا وجرأة، فأنا أقبل زواجك من ابنتي، لكن شرطي لذلك هو أن يكون راتبها لي، يصل إليّ كل شهر من دون أي عذر، فإن قبلت فهي لك، وكأن الأمر قسمة، لك البنت ولي الراتب.
وقد أشارت رئيسة مركز المعلومات والتنسيق في جمعية حقوق الإنسان سهيلة زين العابدين إلى هذا السبب بوضوح فقالت: «إن من أسباب العضل رغبة ولي الأمر في الاستفادة من راتب الفتاة في حال عملها»، وقالت: «توجد حالات عضل وحرمان زواج للفتاة بسبب الاستفادة من راتبها». «العربية نت» 23/3/1429هـ.
هل هي ظاهرة؟
أتفق مع كل من يقول إن حالات العضل والمنع من زواج البنت بسبب الراتب وحرص الأب عليه قليلة ومحدودة، ولا تصل إلى حد الظاهرة في مجتمعنا، لكن الظاهرة لا تحصل بشكل مفاجئ، بل تتكون وتنشأ نتيجة السكوت والتستر وعدم المعالجة العلنية والواضحة والصريحة، فتكبر وتتعدد وتنتشر وحينها تستعصي على الحل.
المقلق حقا هو تجدر التعامل مع راتب الفتاة العاملة باعتباره ملكا للأب، وقبضه منها باعتباره مالكا له ضمن مقولة «الولد وما يملك لأبيه»، هذا التجدر سبّب منع الكثير من الآباء لبناتهم من التصرف في أتعابهن ومكافآتهن، فيمنعها مثلا من الدخول في سوق الأسهم، مع أن دخولها والتعامل فيها يمكن للفتاة إداراته من المنزل، كما دفع البعض من الآباء (وإن كانوا قلة) لمنع بناتهم من الاحتفاظ برواتبهن في حساباتهن الخاصة، وأحيانا مطالبتهن بتعويض بعض ما صرف عليهن في الأيام السالفة.
نعم يمكنني أن أدعي والدعوى تحتاج إلى دليل لا أملكه بالأرقام والتفاصيل، أن بعضا من تصرفات الآباء الخاطئة مع بناتهم بشأن الــراتب ومصــــادرته منهن بمسميات مختلفة تقتــرب إلى الظاهرة.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2068 - الأحد 04 مايو 2008م الموافق 27 ربيع الثاني 1429هـ