العدد 2068 - الأحد 04 مايو 2008م الموافق 27 ربيع الثاني 1429هـ

الأبعاد المتعددة لأزمة الوقود الحيوي العالمية! (1-2)

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

باتت أزمة زيادة الطلب على إنتاج الوقود الحيوي عالميا أحد العوامل الرئيسية المتهمة بالتسبب في أزمة التضخم العالمية الحالية بأسعار المواد الغذائية الرئيسية، والتي أنذرت الكثير من المؤسسات الدولية من عواقبها الوخيمة على الأمن والاستقرار الاجتماعي للكثير من دول العالم بالإضافة إلى زيادة وتوسيع رقعة الفقر.

وقد أحسنت مجلة «التايم» الأميركية صنعا حينما نشرت تقريرين على مدى عددين متتاليين تضمنا تحديدا موضوعيا وشرحا مفصلا لمختلف الأبعاد الاقتصادية والبيئية المدمرة وراء أزمة إنتاج الوقود الحيوي في مختلف أنحاء العالم، ولعل الإضافة النوعية الملموسة والحجج المنطقية المنجزة التي استلهمتها «التايم» عبر استعراض نماذج متعددة لدراسات أكاديمية وعلمية عن إنتاج الوقود الحيوي تمحورت حول تبيان الوهم الخادع بشأن كون الوقود الحيوي المنتج في صوره الحالية كـ «حل للتلوث البيئي» إنما هو مساهم رئيسي ومدين في زيادة الأمر سوءا عبر زيادة معدلات الاحتباس الحراري (Global Warming)!

بل وعلاوة على ذلك ساق التقرير الميداني الذي استعرض نماذج لحالات متنوعة من غابات الأمازون في البرازيل وغابات إندونيسيا وولاية أيوا الأميركية براهين حازمة تكشف الغطاء عن هذه الأزمة، وتثبت أن التكالب الرأسمالي النهم وراء إنتاج الوقود الحيوي عبر إحراق الغابات ما هو إلا عنصر متورط بصورة رئيسية في زيادة وتعزيز الاحتباس الحراري عوضا عن محاصرته وتخفيض معدلاته، ناهيك من آثاره الإنسانية والاجتماعية والبيئية على المساحات الخضراء الثرية وعلى زيادة أسعار المواد الغذائية الرئيسية في ما قد يرقى إلى الكارثة المنفلتة الجنون كما أشار إلى ذلك عدد من الخبراء والمسئولين في المنظمات الدولية المعنية بشئون البيئة والأمن الغذائي العالمي.

ولعله من بين هؤلاء المسئولين والخبراء خبير الغذاء الدولي ليستر براون الذي اعتبر إنتاج الوقود الحيوي بمثابة «جريمة ضد الإنسانية» لما تتسبب به من دفع نحو 800 مليون إنسان إلى عوالم الفاقة والمجاعة، والوضع مرجح للازدياد بسبب التضخم الناتج عن زيادة الطلب على إنتاج الوقود الحيوي!

ومن خلال جولة ميدانية في غابات الأمازون التي تعد بحسب التقرير «جوهرة أيكولوجية - حيوية» ذات قيمة بيئية لا تقدر بثمن، يستعرض كاتب التقرير ما أطلقه علماء البيئة على الوضع الحالي لغابات الأمازون والتي أضحت بسبب تزايد الطلب على إنتاج الوقود الحيوي وكأنما هي في طور التحول إلى سهوب سافانا «savannization» بدلا من وضعها الطبيعي كغابات استوائية كثيفة!

ويشير الكاتب إلى الدور الكبير الذي لطالما ساهمت فيه أشجار الأمازون الكثيفة والتي تشكل مساحة خضراء قارية عبر امتصاص الغازات الكربونية الملوثة للهواء والمتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري المسببة لارتفاع درجات الحرارة على نطاق خطير، ويشدد على خطورة العواقب المحتملة فيما لو تمّت تصفية تلك الغابات بأكملها وحينها القضاء على دورها الاستيعابي والامتصاصي للغازات الكربونية الملوثة بسبب عمليات تدمير الغابات وتجريفها في سبيل زرع محاصيل لاستخراج الوقود الحيوي لا يمكن أن تضاهي قدرتها في امتصاص الكربون قدرة أشجار الأمازون في ذلك كما هو حاصل حاليا في البرازيل، التي تصنف عالميا في المرتبة الرابعة في انبعاثات الغازات الكربونية الملوثة.

كما ويتناول التقرير وجها آخر للمأساة في ما يدلل أيضا بآثار سلبية متفاقمة على معيشة القبائل الأمازونية ومنها قبيلة كامايارا وهو ما تسبب بالكثير من الأضرار على صحة أفراد القبيلة بسبب عمليات الحرق المستمرة وانقراض النباتات الأمازونية المحلية المستخدمة في إنتاج الغذاء والأدوية وفي الطقوس الثقافية والاجتماعية مما يضيف أبعادا ثقافية واجتماعية أخرى لهذه الكارثة الشاملة.

ويلمّح المؤلف إلى أن المشكل الرئيس قد يكمن أيضا في كون الحوافز المالية قد لا تعد حلا كافيا لإيقاف الإبادة الجماعية في حق غابات الأمازون وحمايتها، فغلاء المعدات بشكل بيّن يسهم حتما في تشجيع عمليات التدمير للغابات، وبحسب المؤلف فإنه «وحتى الوقت الذي يظهر للوجود مخترع لرقاقة بروتينية تعوض الوقود الحيوي فإننا سنعاني أزمة تعد الأسوأ لكون أضلاعها الثلاثة هي: ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ازدياد عملية تدمير الغابات (deforestation) وزيادة انبعاث الغازات الكربونية الملوثة».

ويستشهد بإحصاء يقدر حصة مساهمة أعمال تدمير الغابات الداخلة ضمن إنتاج الوقود الحيوي لوحدها بنحو الثلث 20 في المئة من انبعاثات الغازات الكربونية المساهمة في الاحتباس الحراري إلى جانب حصص عوامل أخرى كالمصانع والسيارات!

ويقدم المؤلف بيانات إحصاء عن قيم الاستثمار في إنتاج الوقود الحيوي على مستوى عالمي والتي ارتفعت من 5 مليارات دولار أميركي في 1995م إلى 38 مليار دولار أميركي، ومن المتوقع أن تصل إلى 100 مليار دولار أميركي في 2010 وذلك بفضل مستثمرين مثل ريتشارد برونسون وجورج سوروس و «GE» و»BP» و»فورد» و»شيل» و»كارغيل» ومجموعة «كارلايل».

وينتقل المؤلف إلى محور عالمي آخر لإنتاج الوقود الحيوي عبر تقطير مستحضر الإيثانول وتوريد الذرة وهي ولاية أيوا الأميركية التي اعتبرها بمثابة وادي السيليكون لهذه الصناعة، ويستعرض أبعادا وأحداثا سياسية نالت عبرها هذه الولاية الأضواء وخصوصا أنها لم تصوت للمرشح الجمهوري جون ماكين الذي شن بتصريحاته اللاذعة حربا على صناعة الوقود الحيوي التي تعد الولاية محورها كما سبقت الإشارة.

ويتطرق المؤلف إلى محور عالمي آخر لإنتاج الوقود الحيوي وهو إندونيسيا إذ يتم إحراق الغابات الخضراء بالجملة بهدف إنتاج زيت النخيل، ويورد دراسة أعدت في جامعة مينيسوتا الأميركية من قبل عالم البيئة والأحياء ديفيد تيلمان الذي توصل إلى أنه يلزم إندونيسيا 400 سنة من استخدام الديزل الحيوي إذا ما أرادت التعويض عما ينبعث من غازات كربونية أثناء إحراق الغابات لإنتاج زيت النخيل، وهو ما يؤكد انحطاط الجدوى البيئية لعملية إنتاج الوقود الحيوي أساسا كما هو في حال إندونيسيا.

أما بالنسبة إلى روبرت واطسون كبير العلماء في وزارة البيئة البريطانية فقد اعتبر أن أزمة إنتاج الوقود الحيوي قد تسببت في نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية وخيمة من الصعب الحد من آثارها السلبية وذلك بحسب التقرير.

فمتى يحين الوقت لمراجعة إنتاج الوقود الحيوي الذي بات بذلك كارثة بيئية متعددة الأبعاد اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا في صورة «حل بيئي ودود»؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2068 - الأحد 04 مايو 2008م الموافق 27 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً