ربما يتوجب على قوى المجتمع المطالبة بالإصلاحات أن تفكر بـ «الأعمال غير المنجزة» قبل الوصول إلى المطالبة بإصلاحات دستورية أو غير دستورية، إذ إن الساحة السياسية البحرينية تغيرت كثيرا. فبعض القوى المهمة داخل الدولة، وداخل المجتمع تغيرت، وهذه القوى أصبح لها نفوذها الواسع في الجانبين. ويعتبر ظهور بعض هذه القوى فشلا لدعاة المعاصرة وحافزا مستمرا للدوران في حلقات مفرغة من المحتوى على رغم شعاراتها البراقة.
في مطلع السبعينيات، عندما كانت البحرين تدخل مرحلة الاستقلال، كانت هناك قوى داخل الدولة، وأخرى داخل المجتمع، متقاربة في فهمها لمتطلبات العصر والتحديث. ويذكر الباحث أميل نخلة في كتابه المهم «البحرين» - والذي أرخ تلك المرحلة - كيف تفاعلت تلك القوى مع بعضها بعضا.
وكنت قد التقيت نخلة في تسعينيات القرن الماضي أكثر من مرة في مؤتمرات عقدت بشأن قضايا الشرق الأوسط، ومن الواضح أن تلك المرحلة حظيت بتقارب وجهات نظر داخل المجتمع والدولة. فمثلا لم تكن هناك فروقات كبيرة (آنذاك) بين وجهات نظر شخص مهم داخل الدولة، مثل الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، ووجهات نظر معارضين عادوا لتوهم من منفاهم في الخارج. فالجميع كان يتحدث عن ضرورة مأسسة الدولة الحديثة دستوريا، وإفساح المجال لبرلمان للتشريع والرقابة... إلخ.
أما حاليا فسترى قوى داخل الدولة تدعو إلى رفض المعاصرة، كما ستجد قوى داخل المعارضة أيضا ترفض المعاصرة... والشد بين الطرفين أصبح في اتجاهين متنافرين. والأمر لا يتعلق فقط بازدياد نفوذ المجموعات الدينية والقبلية التي أحكمت سيطرتها على مفاصل غير قليلة داخل الدولة، وإنما بتحالف هذه المجموعات النافذة مع بعضها بعضا وكأنهاحزب منظم بصورة مركزية يتحرك بشكل محوري وفي اتجاه واحد مستخدما خطابا عنصريا وطائفيا معاديا للمعاصرة. وترى أيضا في جانب المعارضة قوى تكفر بالمعاصرة، وتستخدم أيضا خطابا عنصريا وطائفيا، ولكن في الاتجاه المعاكس. وهذا أدى إلى إنهاك البيئة السياسية ودفع الكثير من المعتدلين (داخل الدولة وداخل المجتمع) إلى تحويل أنشطتهم من الفعل إلى المراقبة، أو عدم الاكتراث بما ستؤول إليه الأوضاع.
هناك إذا، وقبل المطالبة بالقضايا الكبيرة، حاجة إلى الالتفات إلى «الأعمال غير المنجزة»، وهي تتمثل في إعادة الصلات وبناء جسور الثقة، وإزالة الشبهات والشكوك... وهذه كلها لا يمكن أن تتم من خلال من تسبب في إيصالنا إلى وضع غير حسن.
إنني من المقتنعين بأن لدينا من عقلاء القوم ما يكفي للقيام بـ «الأعمال غير المنجزة»، ولكن هؤلاء العقلاء يحتاجون إلى فرصة للتصارح والتناصح والتشاور في أجواء أفضل.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2068 - الأحد 04 مايو 2008م الموافق 27 ربيع الثاني 1429هـ