العدد 2068 - الأحد 04 مايو 2008م الموافق 27 ربيع الثاني 1429هـ

الملائكة الأفضل في طبيعتنا

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

تبدو العداوة متأصلة في الطبيعة البشرية. بغض النظر عمّا إذا أخذنا المنظور الدارويني أو العلمي الديني، فإنّ ذلك لا يعمل جيّدا من أجل السلام على الأرض والنية الحسنة تجاه بني البشر.

«لماذا نستطيع أنْ نتفق جميعنا؟» قد يكون هذا شعار التاريخ البشري، الذي تتردد أصداؤه عبر الأنظمة السياسية كافة وكذلك الأنظمة العقائدية عندما تقترب من بعضها بعضا. يشكّل التعالي عن الخصومات بتعاطف وتحمل بعد ذلك خطوة روحانية نحو التسامح الواعي الذي تصرّ عليه جميع الطروحات الدينية.

آخذين ذلك بعين الاعتبار، شكّلت زيارة البابا إلى الولايات المتحدة بالنسبة للكثير منّا من غير الكاثوليكيين فرصة لتوسيع منظورنا العقلي والنظر إلى ما وراء عناوين الأخبار البارزة. كانت فرصة؛ لنأخذ على محمل الجد أهمية الاحترام بين الأديان في عالمنا الذي ما فتئ يزداد انقساما وتشظيا.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار التوتر السائد مع المجتمع العالمي الإسلامي بعد خطاب البابا في رغنزبرغ العام 2006 فمن العدل القول إنّ المسلمين راقبوا هذه الزيارة عن كثب.

كما شكّلت عملية تعميد مسلم ليصبح كاثوليكيا والتي جرى بثها على محطات التلفزة أثناء خدمة عيد الفصح الأخير حدثا جادا يحمل احتمالات الانفجار. والذي كان أنْ ينظر إليه كعمل مقصود من البابا يمكن أن يتسبب بردة فعل عنيفة من قبل المسلمين (ونحمد الله تعالى أنّ ذلك لم يحدث). فالمسلمون في نهاية المطاف يؤمنون بأنّ الإسلام هو الدين الأخير في السلسلة الأخيرة من التعاليم الإلهية، وأنّ أي إنسان يتحوّل عنه إلى دين آخر جاء قبله، هو أمر، بحسب تقاليدنا الروحانية يجب ألا يُعرض بشكل علني، حيث أنه يعني معارضة نشطة للرسالة التالية ورسول الإسلام (ص).

بالنسبة للمسلمين، تعتبر قضايا الحب العميق للنبي محمد (ص) واتخاذ موقف قوي مع الإسلام هي قضايا قوية وحساسة؛ لأننا نقيّم الإسلام على مستوى عالٍ جدا، وليس لأننا نحط من قدر المسيحية، التي تذكر بشكل متكرر على أنها ديانة شرعية في عيون الله تعالى في القرآن الكريم، جنبا إلى جنب مع اليهودية.

لكن المنطق البشري يشكّل أحيانا حطبا جافا إلى جانب نار مشتعلة. طالما كنت أعتقد أنه يتوجب على المسلمين تجاهل «الآيات الشيطانية» لسلمان رشدي عندما ظهرت، بدلا من إطلاق الكتاب إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعا، وجعلهم ممثلين لا يحسدون للإسلام في الوقت نفسه.

من الأساسي أن يحترم المسلمون تقوى المسيحيين وغيرهم كما يحترمون تقوانا، وأنْ يحيوا المتدينين من الرجال والنساء بيننا بغض النظر عمن هم، لأنهم يذكروننا بالله تعالى، بغض النظر عن التفاصيل في خلافاتهم العقائدية. فالله تعالى يقول في القرآن الكريم:

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة 2:62).

ومن المهم أيضا أنْ يتذكّر المسلمون أنّ الرسول محمد (ص) أُرسل رحمة لجميع بني البشر كما يخبرنا القرآن الكريم، وأنّ الشعور الكريم تجاه جيراننا من المعتقدات والأديان كافة، بل وحتى التفسيرات السلمية من عدم الإيمان هي واجبنا الأساسي الكبير على الأرض حتى نحصل على بهجة الرب والاقتراب من رسوله الكريم من خلال تقليد صفاته الحميدة.

يشكل الاحترام المتبادل وخصوصا بين الكيانات الدينية، واحدا من أكثر الصفات الدينية نبلا، يستحق المتابعة، وقد أدّت خيانة ذلك الاحترام إلى مآس بشرية لا حصر لها.

نستطيع من خلال الحفاظ على تواضعنا وكرامتنا بجميع أشكالها أنْ نكبت عداواتنا ذات الأهداف السيئة وأنْ نشجّع «الملائكة الأفضل في طبيعتنا»، كما قال لنكولن.

* شاعر ومؤلّف مسلم يعيش في فيلادلفيا، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2068 - الأحد 04 مايو 2008م الموافق 27 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً