للمرة الثانية أجدني مضطرا للحديث عن مهرجان البحرين الدولي لأفلام حقوق الإنسان، الذي كان فرصة لعرض أكثر من خمسة وعشرين فيلما، تتعلق بالموضوع «الإنساني».
المهرجان كان بمبادرةِ مجموعةٍ شبابية، تلقّت رعاية من جلالة الملك، والتفّت لإنجاحها وزارات الخارجية والإعلام والتنمية الاجتماعية والبلديات والزراعة، فضلا عن مكتب الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة العفو الدولية ونادي البحرين للسينما، وبعض المؤسسات الإعلامية. فرسالة المهرجان كانت واضحة: الانفتاح على الهمّ الإنساني الكبير، فحقوق الإنسان «كلٌّ لا يتجزأ».
المهرجان غلب عليه الموضوع العراقي والفلسطيني، وبحكم ضيق الوقت لم أتمكن إلاّ من متابعة عدد محدود من الأفلام، وفاتني العدد الأكبر. والأهم أن مثل هذا الحدث الثقافي يصبّ في تعميق ثقافة احترام حقوق الإنسان، ويستعيد للبحرين جانبا من السبق والريادة التي عرفت بها على المستوى الخليجي.
وكملاحظة شخصية، الجمهور نخبوي، ونصفه من الأجانب، وربما يعود ذلك لنوعية الأفلام التي لا تتمتع بجاذبية، أو لاسم المهرجان الذي يعطي إيحاء ملتبسا بالتسييس. وعلى كلٍّ، كان تفاعل الجمهور واضحا من خلال الأسئلة التي طرحت على مخرجي الأفلام التي حضرتها. وآخرها فيلم «والدة ساري»، وهو فيلم وثائقي للأميركي جيمس لونغلي، يتحدّث عن أمٍّ عراقيةٍ فقيرةٍ تبحث عن علاج لابنها «ساري» ذي العشر سنوات، أصيب بالايدز بسبب نقل دم ملوث، وظلت تنتقل من مكتب إلى آخر حتى وصلت إلى وزير الصحة، للحصول على تعويض من دون فائدة، ولكنه وعدها بنقل الموضوع إلى الجعفري، المرشّح آنذاك لتولي رئاسة الوزراء (في العام 2004).
المخرج جمع مادة الفيلم من خلال العيش مع العائلة لمدة عام كامل في بيتها المتداعي، وقام بمنتجته وإضافة الموسيقى ليخرج بفيلم قصير مدته 20 دقيقة فقط، وعندما سألته عن الجهة المموّلة قال إنه لم يحصل على تمويل من أحد، وإنما بمجهود ذاتي سعى من خلاله إلى إنتاج عدد من الأفلام القصيرة عن الحياة في العراق، التي زارها نهاية العام 2002 مع زيادة توقعات الغزو الأميركي. وحين سأله أحد الحضور عن مساعدته للعائلة العراقية قال إنه كان يقدم لهم أحيانا سلال الفواكه، ويدسّ في جيب الطفل المريض بعض النقود دون أن يدري، فكانت العائلة ترفض أن تتسلّم أية أموال على رغم فقرها لأنها كانت تشعر بالفخر. كما أنني لم أتعامل معهم على أساس مادي لئلا يؤثر على طبيعة عمل الفيلم الوثائقي.
إحدى الزميلات شاهدت الفيلم، وأسرّت لي أنها بكت لدى مشاهدة بعض مشاهد الفيلم، ربما لأنها تعمل بقسم المحليات الذي لا تتجاوز اهتماماته حدود هذا البلد الصغير الوديع، ولكن بالنسبة لمن يعمل قريبا من قسم الأخبار الدولية، ويحترق قلبه لما يجري في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان ودارفور والصومال... ويكون على اتصال يومي بما تبثه وكالات الأنباء ونشرات الأخبار، فإن مشاهد فيلم «والدة ساري» تبدو نقطة صغيرة في لوحة مأساوية كبرى اسمها «الشرق الأوسط الجديد».
الحقيقة أن ما استوقفني في الفيلم هو المخرج، وحسّه الإنساني الذي أوصل رسالة فاقعة لبشاعة الاحتلال.
عساكم عالقوة
مع الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، ألف تحيةٍ لمبادرة «جمعية الصحفيين» على إطلاقها ميثاق «صحافيون ضد الطائفية»، فهي خطوة ضرورية على طريق الإصلاح الطويل.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2067 - السبت 03 مايو 2008م الموافق 26 ربيع الثاني 1429هـ