للصحافي حق التسلل والبحث والاستقصاء والتمثيل وادعاء براءة السؤال والتفتيش. له أيضا، حق التجسس على الأخبار لمصلحة القارئ. كانت جملة هذه الحقوق الأساس الذي خرجت به الصحافة لتكون العين التي يرى من خلالها الناس ما يجري في مجتمعاتهم بدقة وأمانة.
لقد أفضت التجربة الإنسانية إلى أن كل الصحافات أخفقت في أن تكون «محايدة»، لكن الذي حدث هو أن الصحافة استطاعت أن تكون حتى مع انتهاكها للحياد المطلق في بعض الأحايين، مكملا للديمقراطيات الحديثة في شتى التجارب الإنسانية، بل أصبحت علامة من علامات الديمقراطية، فلا مجتمع ديمقراطيا من دون صحافة ديمقراطية. واستطاعت أيضا أن تدعم هذا الدور بقواعد وأخلاقيات تستند إليها لتقييم منتوجها وتوافقه مع الأدوار المناطة بها.
ومن هنا، لم تقتصر مهمة الصحافة على تزويد الناس بالأخبار، بل امتدت لتكون الجهاز الذي يوفر الحاضنة السليمة والسلمية للتفاعل المجتمعي مع الأحداث وهو ما جعلها تقوم بدور «حارس التوجيه» كما يصفها بذلك المدير التنفيذي لمركز «بيو» للصحافة المواطنية جان شايفر. وعليه، كان للصحافة الحق فيما هو ليس بـ «حق» لغيرها من المؤسسات.
لا تسعى الصحافة الى إخبار المواطن بالحدث وحسب، بل تريد منه أن يفكر بالحدث، وأن يشترك فيه. إلا أن هذه الدعوة إلى التفكير لا تتضمن تلقين القارئ، بمعنى، أنها لا تفرض عليه، كيف، ومتى، ولماذا يفكر؟. وما بين هذه الحقوق والواجبات تتموضع الصحافة لتكون ركيزة الديمقراطية في المجتمعات على ثيمة رئيسة وهي ضمان حرية التعبير المشفوع بالالتزام بما تقتضيه المسئولية الاجتماعية في أن يكون الكلام محسوبا في مستوى «الكيف» كما هو محسوب في مستوى «الكم».
اليوم في البحرين، وبعد ست سنوات من الانفتاح على الصحافات الجديدة يبدو أن أوان المراجعة قد حان، والدعوة لهذه المراجعة لا تعني إسقاط أطراف لمصلحة أخرى، أو تغليبا لمواقع صحف دون أخرى، بل تعني في حقيقتها مساءلة الجسم الصحافي لنفسه، هل ساهمت الصحافة البحرينية منذ العام 2002 في إثراء المشروع الإصلاحي أم عطلته؟، هل ساهمت الصحافة المحلية في تعزيز أواصر العلاقات بين أفراد المجتمع؟، وهل عملت على توحيد صفوفه أم فرقتها؟.
إن الإجابة عن تلك الأسئلة هي بالتأكيد إشارة مهمة في سياق التأكد من جدوى الاستراتيجيات والأولويات لدى مؤسسات الصحافة البحرينية، وهي بالتأكيد دلالة على ما يجب أن تقوم به المؤسسات الصحافية في سبيل ضمان الوصول للأهداف التي لن يجدها القارئ مختلفة بين صحيفة وأخرى، وهي أخيرا، مراجعة للجسم الصحافي من الداخل وتصحيح الأخطاء قبل الولوج في المعارك المتقدمة مع الفاعلين الاجتماعيين الآخرين في المؤسسات الأخرى.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 2067 - السبت 03 مايو 2008م الموافق 26 ربيع الثاني 1429هـ