تناول هذا العمود أمس واقع ومستقبل العلاقات الإيرانية- الهندية، ويستطرد اليوم، في استكمال الجزء الثاني لهذه العلاقة الآسيوية، من خلال تسليط الضوء على العلاقات الإيرانية-الباكستانية. يحدد معالم هذه العلاقة وما يكتنفها من حلقات معقدة متشابكة، الكاتب طلعت المغربي حيث يعتبر «العلاقات الإيرانية الباكستانية .... كانت دوما معقدة ومتشابكة. واللافت للنظر في مسلسل التقارب الإيراني -الباكستاني هو وضوح الاندفاع الإيراني نحو باكستان وقيام القيادات الإيرانية بأنفسهم بالمبادرة بالاتصال والذهاب إلى إسلام آباد على عكس ما كان متوقعا».
وبشأن تزويد إيران باكستان بالطاقة، وبما أنّ موضوع أنبوب الغاز يمس العلاقات الهندية - الباكستانية أيضا، فقد حظي باهتمام العواصم الثلاث، وكان أيضا محور زيارات بين باكستان والهند على نحو منفصل، حيث دأبت مصادر رسمية في البلدين على التأكيد «بأنهما تمضيان قدما في مشروع حجم استثماراته سبعة مليارات دولار لضخ الغاز الإيراني إلى جنوب آسيا رغم تهديد يلوح في الأفق بفرض عقوبات دولية على طهران بسبب برنامجها النووي.» هذا دون أن يلغي البلدان تأثيرات الضغوط التي سوف تمارسها واشنطن على كليهما بسبب اعتراضاتها على برنامج إيران النووي. وبينما تبدو إسلام آباد معنية بتوفير مصادر الطاقة اللازمة لنمو اقتصادها تبدو واشنطن معنية أكثر بحصار إيران سياسيا واقتصاديا حتى تتخلى عن طموحها النووي، وهو ما يجعل مشروع الغاز الإيراني يترنح بانتظار القرار النهائي في وقت تأمل فيه طهران توقيع الاتفاق النهائي بشأنه في أسرع وقت ممكن تحسبا لأي طارئ قد يلم بالمنطقة ويزيد من تعقيد الأمور. ويصف المحلل السياسي شائق حسين «إنّ باكستان في وضع حرج للغاية لاتخاذ قرار بشأن مشروع الغاز الإيراني». ويمضي حسين في حديثه مع الجزيرة نت (http://www.aljazeera.net/News/archive/archive?ArchiveId=326972 ) مؤكّدا صعوبة الموقف الباكستاني من جراء استمرار واشنطن في ممارسة «ضغوط كبيرة على إسلام آباد في وقت تحتاج فيه باكستان إلى مصادر الطاقة التي رفضت الولايات المتحدة إمدادها بها. وعليه فإنّ الانتظار سيبقى سيّد الموقف حتى الإطلاع عما ستسفر عنه زيارة نائب الرئيس الإيراني القادمة من نتائج بشأن مشروع تقدر كلفته بسبعة مليارات دولار ( الأمر الذي يضع ) باكستان أمام خيارات محدودة وصعبة».
هذه الحالة المعقدة هي التي تفسّر تشديد الرئيس الإيراني أحمدي نجاد - أثناء زيارته الأخيرة إلى إسلام آباد - على ضرورة «تنفيذ مشروع مد أنبوب السلام عنصرا مهما لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة، (منوها إلى ) أنّ تنفيذ هذا المشروع يحمل رسالة شفافة للجهات التي تنوي نشر الانفلات الأمني في المنطقة».
من جانبه لم يخف الرئيس الباكستاني برويز مشرّف احتياج بلاده للطاقة الكهربائية، ولذلك وجدناه يدعو «إلى زيادة صادرات الكهرباء من إيران». ولابدّ لنا هنا من الإشارة إلى أنه إلى جانب الطاقة، هناك التبادل التجاري بين البلدين الذي يبلغ مليار دولار سنويا.
وعودة للحديث عن أنبوب الغاز، ينبغي أن نعرف أنه ليس مشروعا جديدا مرتبطا بمشكلات اقتناء إيران للطاقة النووية. إذ يرجع اقتراح المشروع إلى سنة 1989، لكنه واجه الكثير من الصعوبات التى لعبت فيها العلاقات الباكستانية الهندية المتقلبة دورا كبيرا فى عدم ظهوره باكرا، بحيث لم يكتب له الاستمرار إلا عندما تأكد الغريمان معا أنه ليس ثمة بديل عن ذلك مطلقا. ولذلك وجدنا مجلس وزراء الهند يتخذ قرارا في فبراير/ شباط 2005، فصل قضية بناء أنبوب خط عن القضايا الخلافية مع باكستان وعدم الربط بينها.
لكن حتى عندما تنجح طهران في إذابة الجليد بين الهند وباكستان، وحتى عندما يقرر هذان البلدان الأخيران، انطلاقا من مصالح كل منهما الذاتية، توفير الحماية لهذا الأنبوب الاستراتيجي، تبقى العواصم الثلاث مضطرة إلى الوقوف في وجه الولايات المتحدة الأمريكية التي بادرت إلى معارضتها لهذا المشروع منذ بداياته الأولى، وقد بدا ذلك واضحا في تصريحات كثيرة لمسئولين أميركيين كان آخرها ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليسا رايس أثناء زيارتها للهند في فى مارس/ آذار 2005 ، في نطاق محاولاتها لثني الحكومة الهندية عن ذلك.
من هنا نرى أنّ الطاقة كانت محور الحلول التي قام بها الرئيس الإيراني في شبه القارة الهندية. فبينما تحتاج كلّ من الهند وباكستان للغاز والنفط الإيرانيين كمصدر أساسي من مصادر الطاقة الذي يحتاجانه لضمان إدارة عجلة الاقتصاد في البلدين، تحتاج إيران، بالقدر ذاته، إلى حماية جبهاتها الإقليمية مع دول كبيرة ومؤثرة مثل: الهند وباكستان، كي تقلّص من شدة الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها عليها واشنطن من جرّاء بحوثها التي تقوم بها في مجال اقتناء الطاقة النووية، بغض النظر، إنْ كانت تلك الأبحاث محصورة في الجانب السلمي أم تجاوزته إلى دوائر أخرى.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2066 - الجمعة 02 مايو 2008م الموافق 25 ربيع الثاني 1429هـ