إنّ طريقة عرض الصحف المحلية أمس لخبر تحذير وزارة الداخلية من رفع صور أسامة بن لادن، تعكس تنوّع الخريطة الصحافية في البحرين.
الخبر نُشر على الصفحة الأولى لثلاث صحف، بين مانشيت وخبر، بينما تم ترحيله إلى صفحة داخلية وبحجم صغير في صحيفتين أخريين. ومهما تكن طريقة التعاطي، فإنّ الخبر سيظل يترك تداعياته على الأرض.
ليست العملية تصيّد أخطاء على هذه الطائفة أو تلك، أو عدّ النوى على هذه الجماعة أو تلك، بل المسألة أكبر؛ لأنّها تكشف خللا كبيرا في التفكير والثقافة. والطامة الكبرى أنّها لا تنحصر بمجموعةٍ من الشبان الملثمين المتحمّسين لقضية يرونها عادلة ومحقة، بل عندما تصدر تصريحات من محامٍ قضى عقودا في ردهات المحاكم؛ لينتهي إلى مدافعٍ عن تصرفاتٍ تصدم الوجدان.
من حق الأمين العام لحركة «عدالة» أنْ يعبّر عن رأيه ومعارضته للاحتلال الأميركي للعراق، وكلّ العرب والمسلمين يتمنون أنْ يخرج المحتل من العراق اليوم قبل الغد؛ ليعود العراق سيّد نفسه، يحكمه أبناؤه دون وصايةٍ أو تدخلٍ أجنبي. ومن حقّه أنْ ينتقد كمواطن ما يراه خاطئا في سياسات بلاده، ويسعى للتعبير عن رأيه بالطرق السلمية، إلاّ أنّ الغريبَ هنا أنْ يقفز على الأحداث، بقوله: إنه «سيوضح للصحافة بشكل تفصيلي ما تتخذه حركته من قرارات سياسية، وهو الأمر الذي عبّر عنه الاعتصام». فما الذي عبّر عنه الاعتصام؟
ليس هناك عربيٌ واحدٌ يقبل باستمرار احتلال العراق، وما يتعرّض له هذا البلد العظيم من نزيفٍ دامٍ يُوجع القلوب، لكن ما حصل في الاعتصام أمرٌ بشعٌ، لا يخفّف من بشاعته نقل الخبر إلى صفحة داخلية للتهوين منه، فكيف بالدفاع عن عملية تمثيل لقطع رأس بشري ووضعه على الجثة كما كان يعرض في الفضائيات العربية باسم «الجهاد»، وتبرير ذلك بأنّ «الاعتصام يُعتبر مجالا للتعبير عن مواقفهم السياسية التي يؤمنون بها إيمانا لا يتزعزع»؟
ليست عملية تصيّد على هذه الفئة أو تلك، لكن لنعد جميعا إلى فطرتنا البشرية لتحكم في مثل هذه الأمور، فالحرق والقتل والتفجير، من أيّ جهة كانت، أعمالٌ تصدم الفطرة السليمة، وتخالف مبادئ الدين الحنيف. ومن الخطأ أنْ يتصدّى محامٍ بحريني لتبرير صور شنيعة باسم الإيمان الذي لا يتزعزع... ومتى كان «الإيمان الذي لا يتزعزع» دليلا على الحق والصواب؟
ثم أنّ خطورة التبرير انه يوفّر الأرضية الحاضنة لنمو مثل هذه الأفكار التي تستبيح القتل، وتستهين بحياة البشر، وتألف منظر الدم، وهو واحد من التغيرات الحادة التي تعصف بمجتمعنا البحريني، الذي كان يهتز لحادثة قتل في السبعينات ويظلّ يتقلب في منامه لأسابيع، بينما أصبحنا نقرأ أخبار القتل والسرقة والاغتصاب والاعتداءات، ولا يرفّ لنا جفن.
هل المسألة ذات بعد طائفي كما يحلو لكثيرين منّا تفسيرها؟ أوْ لها بعد ثقافي أبعد... مع كلّ هذا الضخ الإعلامي الهائل في زمن العولمة، بعد أنْ أصبح لأفلام القتل قنواتٌ خاصة، يتهافت عليها جمهورٌ عريضٌ عاشقٌ لمشاهد القتل والتعذيب وقطع الرؤوس وبتر الأعضاء؟
حاولوا أنْ تنظروا إلى المشهد من الأعلى... فالقضية أكبر وأخطر، والخوف من القادم... فربما كان القادم أعظم!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2064 - الأربعاء 30 أبريل 2008م الموافق 23 ربيع الثاني 1429هـ