الصور تشير إلى أنه وفي الوقت الذي احتدمت فيه الرغبة من الطرف «الوفاقي» لاستجواب الوزير عطية الله احتدمت «الفزعة» في الجهة المحاذية/ المتنائية للوقوف مع الوزير ومساندته وللاصطفاف لتقبيل أنفه ورأسه، والصور التي التقطها الزملاء من مصوري الصحف هي في النهاية صور لا تخون مهما كانت مضامينها، وبتنا وكأنما نحن في صدد حرب أو معركة وقل غزوة كبرى طاحنة طرفاها نواب «أجنداتنا» ونواب «أجنداتهم» كما قيل، وإن كنت لا أدري أيهم اعترض قافلة الآخر، وأيهم استهل العدة والعدوان، أو أيهم العدوان؟
كما لا أعلم لمن الحق فيهم على الآخر! ولكنني قد أعرف ببدهية سياسية الفرق بين نواب «الممارسة» ونواب «الفزعة»، وبين نواب «الصف» و نواب «الاصطفاف»!
ولعل ما أعرفه فقط هو أننا كما قيل لنا بصدد «ممارسة» أو قل «عرسا ديمقراطيا»، ولا أدري إن كان المعيار المأخوذ في ذلك كثرة الضحكات والبسمات والقبلات والتحيات أم أن هنالك معيارا آخر لا نعلمه ونرجو من ذوي الشأن إعلامنا عنه و»تنويرنا»!
إن كان ذلك «عرسا ديمقراطيا» ألا يفترض أن تكون فيه الممارسة الديمقراطية للحقوق أو الواجبات محط احترام وتكريم وتبجيل وحفاوة الجميع من أعضاء السلطة التشريعية وغيرها من أطراف ومنها بلا شك السلطة الرابعة؟ فمتى كانت الحقوق الديمقراطية الأصيلة اصطفافا طائفيا واستعراضا أو حتى قل استفزازا مهما كانت النية من وراء ذلك وبحسب ما قد يسمى بـ «الغريزة البرلمانية العمياء» أو «اللاوعي البرلماني».
وهل الحكمة تقول إن الحقوق إنما تبدو كعلكة تتنازعها نيوب وألسن وأسنة الساسة وقد تشرق مع سائر الابتسامات مهما كان لونها؟ أم أن برلماننا هو «أم السوابق» في جميع «الأعراس الديمقراطية» و «الفزعات» و «الاصطفافات» حتى في مسائل عامة وجامعة كالحقوق وفي أدوات وخيارات ووسائل سلطوية يفترض أنها متاحة للجميع؟
وهل حسمت معركة أو غزوة «أجنداتنا» أو «أجنداتهم»؟ وهل نجت «القافلة» و»القوافل» أم انطبق عليها حكم «الأنفال»؟ وإن كان فما هو نصيب المواطنين من ذلك؟
وفي صورة أخرى أرى فيها أحد أبرز ساسة وقيادات المعارضة البارزين وربما أكثرهم صراخا واحتداما وغضبا وهو في ما يبدو وكأنما يتحدث عن رجل أمن لقي مصرعه في إحدى مناوشات أحداث العنف والشغب، ويستعرض مختلف الروايات بشأن الجريمة المرتكبة بدءا من الرواية الأمنية، ورواية جد الضحية، ويشير إلى التناقضات بينهما بمختلف القرائن المنطقية، وبعدها يلتقط فتاتا من «المنتديات الإلكترونية» ليستشهد به كروايات أخرى محتملة، كما يشير إلى أن الجثمان قد تم نقله إلى باكستان للدفن، ويعود مرة أخرى للانحياز إلى رواية الجد التي قال فيها إن الضحية كان ينزف حتى بعد مماته، ومن ثم يرتد مرة أخرى للتأكيد على عدم نفي الروايات الأخرى مهما قويت رواية الجد، ولكنه في كل مرة يردد ويؤكد «القتيل... القتيل... القتيل» ومن ثم ينعطف تجاه ساحة أخرى فيتحدث عن ضحية أخرى توفيت بصورة مثيرة للجدل عقب مشاركتها في أحد المسيرات السياسية التي لا أذكر على وجه التحديد إن كانت مرخصة أم لا، وهو في الوقت ذاته بدا لي وكأنما يحاذر من أن يختلط عليه «القتيل» بـ «الشهيد» فيردد ويؤكد «استشهاد... شهيد... شهادة»!
وسواء أكانت زلة من أخونا أم اختلاط واضطراب وتشوش سياسي أم أنه لا يكاد أن يقيم فرقا بينهما أم أن لكل كلمة ولكمة موقعا ملائما من الإعراب السياسي، فإنني لا أعلم حتى الآن ما هو الفرق بين معايير «القتل» و «الشهادة» لدى أخينا وحبيبنا وصاحبنا على رغم أن في الحادثة الأولى هنالك نزيف وقتل مهما كانت «الجنسية» و «الأداة» و «الآلة» و «الوسيلة» و «الحيلة»؟
ما أعرفه تماما هو أن جنة الله تعالى أكبر بكثير من «جنة السياسيين» أو «جحيمهم» أو «مطهرهم»، أما الشهادة فقد حددها الرسول الأعظم (ص) في حديثه الشريف فقال: «الشهداءُ خمسة: الشهيد في سبيل الله أي المُقاتل في سبيل الله والمَطعون والمَبْطون والغَريق وصاحبِ الهدْمِ»، ولست أدري حجم المشقة السياسية مقارنة بحجم الراحة الإنسانية في بلادنا الضيقة!
وربما في صورة ثالثة سأستعيدها من الذاكرة التاريخية القصية بشكل متخيل يظهر فيه أبوسفيان عقب معركة أحد فيقول: «يوم بيوم بدر» فيرد عليه الرسول الأعظم (ص): «لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار».
ما هو الرابط والمغزى الذي قد يجده القارئ العزيز بين الصور الثلاثة وهي الصورة البرلمانية وصورة السياسي المعارض وصورة ما بعد غزوة أحد؟ وبأيهما سيستدل على الأخرى؟
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 2064 - الأربعاء 30 أبريل 2008م الموافق 23 ربيع الثاني 1429هـ