كانت زيارتي لجزيرة سترة العائمة على رمال الردم، زيارة مأسوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلم أكن أتمنى أن ألتقي بعض الأصدقاء والمعارف الذين طال غيابهم عن العين زمنا طويلا وسط هذه الظروف.
نعم، لقد غرق صادق وعلي وتركا أهل «مهزة» في حزن، وأي حزن ذلك بعد أن كانت بسماتهما ترتسم على شاطئ القرية الذي تحول إلى غنيمة يحاول كل من هب ودب أن يحصل على قطعة منها!
غرق صادق وعلي على أعتاب منزلهما في قناة مائية بعمق 4 أمتار وغابت معهما ضحكاتهما التي ملأت أرجاء منزليهما، ورسما عليهما الحداد، وأي حداد بعد أن تقاسما كل شيء في ذلك اليوم المشئوم على قرية «مهزة»، فتقاسما اللعب عند القناة المائية، وبعد ذلك تقاسما مرارة الموت في مياه تلطخت بجريرة شق قناة غير مرخصة من بلدية المنطقة الوسطى.
نعم، لقد اعتدنا تحرك الجهات المسئولية ولكن بعد فوات الأوان، فهناك وضعت إشارة ضوئية لا لأن الجهات المعنية التفت إلى ضرورة الإشارة، ولكن لأن فلانا بن فلان قضى نحبه بعد أن دهسته سيارة وهشمت كل أحلامه وأحلام أسرته... وهناك أزيل منزل آيل إلى السقوط ولكن بعد أن دفن أجزاء من أحلام ساكنيه... وهناك منع المرور على شارع لأنه تحول إلى مجازر بحق كل ما يمشي على اثنتين أو أربع، والقائمة تستمر لتضاف إليها قناة «مهزة» المائية في انتظار تسويرها إيذانا بردمها بعد أن سرقت أحلام طفلين بريئين لم يكونا يدركان مصيرهما حين وطأت أقدامهما القناة المائية!
إننا بحاجة إلى وقفة صريحة ومحاسبة شديدة ضد كل من تورط في شق القناة من غير ترخيص قانوني، لأن الضحية لم يكن قطا عابرا ولا غرق مركب، إننا أمام موت طفلين من أبناء «مهزة»... هذه القرية الصغيرة التي تقع في أحضان جزيرة سترة المحرومة التي فقدت أجزاء كبيرة من بحرها وغدت جزيرة تطفو على الرمال بعد أن كانت تسبح في مائها، ولكن المطامع لا تعرف حدا يحدها.
إن مشهد ملابس الطفلين وحذائهما على الشاطئ، كان منظرا مؤلما بكل تأكيد، ولكن الأكثر إيلاما هو رؤيتهما وقد فارقا الحياة وكأنهما لم يحييا يوما من الأيام بعد أن انتشلهما الأهالي من مياه القناة ولفوهما في قطعتي قماش، ولا عزاء لأسرتهما التي ودعت في يوم الأحد المشئوم شمعتين إلا الصبر والسلوان ومحاسبة المسئولين عن الحادث وخصوصا بعد أن تمت مخاطبة كل من «الثورة السمكية» و «الهيئة العام لحماية الحياة الفطرية» و «بلدية الوسطى» وكل الدلائل تشير إلى مخالفة صريحة بحق الأهالي بحفر قناة مائية بالقرب من المنازل السكنية، وكلنا أمل بأن يتم إنصاف الأسرة الحزينة عل وعسى أن يخمد ذلك من نار الحزن التي تستعر في قلبها، مع أننا نثق بأن كل الإجراءات لا يمكن أن تمسح دمعة أُمين فارقتا فلذتي كبديهما، وبالله المستعان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 2063 - الثلثاء 29 أبريل 2008م الموافق 22 ربيع الثاني 1429هـ