العدد 2062 - الإثنين 28 أبريل 2008م الموافق 21 ربيع الثاني 1429هـ

أول الغفلة آخره دمار

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في المملكة العربية السعودية بدأ الأمر بغفلة فترة اجتياح الاتحاد السوفياتي السابق لأفغانستان. لم يتسلل بعض السعوديين إلى أفغانستان. تم فتح ممرات وتسهيلات لهم هنا وهناك. كانوا وقتها محط إعجاب أجزاء كبيرة من العالمين العربي والإسلامي، وخصوصا إزاء تصديهم إلى قضية عادلة: تحرير أفغانستان من الاحتلال السوفياتي. فرَّخ الدعم المادي واللوجستي عشرات الآلاف من الإرهابيين الذين استيقظ العالم على دويهم وخرابهم بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وسيحتاج العالم اليوم إلى أكثر من قرن من الزمن لوضع حد لتلك الموجة المتكالبة على قتل كل صورة أو شاهد على الحياة.

ما حدث في البحرين قبل أيام، لم يكن المشهد الأول، ربما يكون الثاني، وسيتكرر. صبية ملثمون يرفعون صور زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ورايات التنظيم. لا بأس. ليكن الأمر شكلا من أشكال حرية التعبير. وإذا توقف الأمر عند هذا الحد - ونتمنى ذلك - لن يؤثر بأي شكل على المديين القريب والبعيد. ونحن كأفراد ومثقفين ومؤسسات مجتمع مدني لن نرى في ذلك ضيرا مادام في حدود حرية التعبير. لكن على الجهاز الأمني العتيد في البحرين ألا يكرر الخطأ ذاته، كما حصل مع الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، لأن التكاليف ستكون باهظة، والمحصلات مهلكة.

«الإرهاب يبدأ إما بمزحة، أوبغفلة» وفي الحالين معا لن نقدم حيثيات ومآلات لذلك الإرهاب تحت العنوانين: المزحة والغفلة، لأن الدولة وقتها ستكون مسئولة عن الاثنين.

أعلم ويعلم كثيرون غيري، أن الدولة - أي دولة - من المفترض أن تتعامل مع العنف بكل أشكاله من دون تمييز، بشيء من الحزم مع وجود الضوابط، وإن تورطت في التمييز في مناح ومرافق ومجالات لا حصر لها، لكن التمييز في التعاطي مع مؤشرات العنف وعناوينه يضع الدولة أمام خيارين: إما البقاء، أو التفسخ والتفكك.

حين تزخر بيانات ومقالات بعض الجهات بالتركيز على حالات شاذة برفع أعلام وصور في مسيرات مرخصة، لا علاقة لها ولا امتداد بمملكة البحرين، عليها أن تتعاطى مع تلك الظاهرة بمقياس واحد لا مقياسين.

لا أجدني أختلف، ولا يختلف عاقل وحر معي، أن واحدة من أكبر الكوارث التي منيت بها الأمتان العربية والإسلامية منذ نكبة فلسطين العام 1948، هو الاحتلال الأميركي للعراق، وماجره على الشعب العراقي من مجازر، ونهب لثرواته، وتبديد لطاقاته، وتشريد لكفاءاته، وأن الاحتلال الأميركي البغيض ستكون له آثاره المعتمة على مستقبل المنطقة بأسرها، وأن المقاومة العراقية الشريفة، محفوظ دورها وجهادها ونضالها ضد القوات الغازية، لكنني في الوقت نفسه لن أقبل ولن يقبل كثيرون معي أن تنتمي مجموعة من القتلة وقطاع الطرق وناحري الرؤوس والفاشلين في العلوم الشرعية وغير الشرعية، لعنوان تلك المقاومة عدا مضمونها. كل أولئك مشروع تدمير لما تبقى من أطلال في هذه الأمة، ودمارهم لا يقل خطرا على الأمة ومستقبلها عن الاحتلال الأميركي الكريه، وخصوصا مع انتفاء الضوابط لما يسمى جهادا، بالتجاوز والانفلات والوقوع في المحرمات الدينية والأخلاقية والإنسانية.

ثمة غفلات تترى، وثمة استهانات تمرر بهكذا تحركات لكن نتائجها ومحصلاتها كفيلة بتحويل كل مروج الدنيا إلى مساحات شاسعة من القار والدخان وروائح الجثث.

شخص مثل أسامة بن لادن لا يضاهيه أحد في الدنيا بحجم إرهابه وجرائمه. لا يتوقف الأمر عند أحداث 11 سبتمبر، بل تم تجاوزه إلى ذوي القربى على أكثر من مستوى، إذ القرابة لا تتحدد في مجالها الضيّق ضمن الأسرة الواحدة والدين الواحد والمذهب الواحد. ثمة قرابة إنسانية أولها اللسان وليس آخرها قرابة الخلق، بحسب كلام سيد المتكلمين بعد نبي الأمة محمد (ص)، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): «الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق». هذه القاعدة نسفتها «القاعدة» من ألفها على يائها. وبات علينا أن نكون على موعد مع أكثر من غفلة هنا واستهانة هناك كي تتحول الجغرافية إلى أثر بعد عين. وإلا علينا أن نصمت كي لا نتهم بالتمييز الذي نرى ممارساته واضحة وضوح الشمس.

أعلم أنهم سيسمونه «تحريضا» على رغم أنه تنبيه وتذكير لا تحتاج إليهما الدولة، ولكن عليكم أن تراقبوا التحريضات مدفوعة الأجر في بعض الصحف المحلية.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 2062 - الإثنين 28 أبريل 2008م الموافق 21 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً