وجّه زعيم «البرلمان الإسلامي» في بريطانيا غياث الدين صديقي دعوة لحضور انطلاق جماعة إسلامية بديلة، وذلك في لندن يوم الخميس المقبل 1 مايو/ أيار، والمجموعة الجديدة ستحمل اسم «المسلمون البريطانيون العاملون من أجل ديمقراطية علمانية». ولمن ليست لديه خلفية عن البرلمان الإسلامي البريطاني، فإنها مؤسسة أنشأها شخص آخر يحمل اسما مشابها، وهو كليم صديقي في العام 1992 واستمر زعيما للبرلمان حتى وفاته العام 1996. وبعد ذلك تسلم صديقه غياث الدين (الذي يحمل اللقب نفسه، صديقي، ولكنه ليس قريبه عائليا) قيادة البرلمان، الذي كان له تأثير في مرحلة سابقة. وكان كليم صديقي أحد المفكرين المسلمين، وهو صاحب نظرية خاصة عن كيفية تحقيق «السيادة الإسلامية» في عصرنا الحاضر، والتي قال إنها (أي السيادة) لا تعتمد على الأرض الجغرافية، وإنما تعتمد على وجود الرابطة الإيمانية، ولذا أسس «البرلمان الإسلامي في بريطانيا» لتمثيل سيادة المسلمين على أنفسهم بأي وسيلة متاحة ومن خارج النظام المعمول به. وقال إن رسول الله (ص) عندما صدع بدعوته فإنه أسس أعرافا وأنظمة خارج إطار نظام مكة وقريش آنذاك، وكان كليم «منطقيّا» ومتحدثا مفوها يخرج في مقابلات تلفزيونية وإذاعية كثيرة ويستطيع إفحام خصومه، وكان من الذين أيدوا الفتوى لقتل سلمان رشدي علانية (العام 1989)، ولكنه - ربما بسبب لسانه السليط - لم تتعرض له السلطات البريطانية بشيء آنذاك.
تسلم غياث الدين زعامة المجموعة العام 1996 بعد وفاة كليم، وانتهج النهج ذاته، واستمر في خطابه الحاد، المؤيد لإيران ولحزب الله (رغم أنه سنّي) والمؤيد لكل الجماعات الحركية الإسلامية في العالم الإسلامي... حتى كانت الطامة الكبرى في 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وبعدها مباشرة، بدأ غياث الدين ومن معه يتغيرون، وتحدّث عدة مرات قائلا: «إننا كمسلمين أخطأنا كثيرا، وإنّ علينا أنْ نعترف أنّ مشاركتنا في الحوار العالمي انخفضت إلى الصفر، وأنّ أصحاب القتل والإرهاب اختطفوا أجندة المسلمين وحولونا إلى فلول متوحشة»... الخ.
وقد كنت من المتابعين للإصدارات والإنتاجات الفكرية لكليم صديقي وللنشاطات المشتركة التي كان يقوم بها كلّ من كليم وغياث الدين ومن معهما، كما كنت من القارئين لصحيفتهم الشهرية التي كانت إحدى مجموعاتهم تصدرها باسم «كريسنت»، وكانت تعتبر نفسها الناطقة باسم «الحركة الإسلامية العالمية» طوال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.
ومع أنني كنت ألاحظ التغير الجوهري في الخطاب الذي اتبعه غياث الدين بعد أحداث 2001 الإرهابية، وكيف أنه بدأ حركة نقدية ومراجعة - مع آخرين يشاركونه الرأي - لما قام به المفكرون والناشطون الإسلاميون قبل العام 2001، لكنني لم أتوقع منه أن يقدم على خطوة إنشاء مجموعة تدعو إلى تفعيل «الديمقراطية العلمانية» في أوساط المسلمين بصراحة تقرأها من العنوان قبل أن تقرأ التفاصيل... لكني عاودت قراءة تسلسل نشاطاته وأفكاره، ورأيت أن ما سيقوم به هذا الأسبوع ربما كان أمرا حتميّا، والفكرة بدأت منذ العام 2006، وأن هناك الكثير من الإسلاميين من الذين ملّوا الخطابات والشعارات الفارغة التي انتهت بتصوير المسلمين مجموعة من الجهلة والقتلة، وأن العيش في ديمقراطية تؤسس عدلا بين الناس - أنتجها العلمانيون - أفضل من جحيم للبشرية أنتجته بعض الأفكار المنتشرة بين المسلمين.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2062 - الإثنين 28 أبريل 2008م الموافق 21 ربيع الثاني 1429هـ