أصبح تنامي خطابات «القاعدة» وترويج ثقافاتها في البحرين واقعا، فمجسم الجندي الأميركي الذي تم قطع رأسه ويديه وكامل جسده تحت مظلة علم «القاعدة» وصور الإرهابي بن لادن أمام مسجد الفاتح، هو نتيجة طبيعية بعد السكوت والقبول بتنامي التيارات الإسلاموية المتطرفة ومخلفات حزب البعث البائد وتمكينها من مفاصل الدولة ومراكز القوة فيها يوما بعد يوم.
إن دلالات ما جرى في الاعتصام الذي دعت إليه حركة العدالة الوطنية وتقدمه أمينها العام عبدالله هاشم عصر السبت الماضي، هي أكبر من مجرد تظاهرة احتجاجية عن قرار فتح سفارة بحرينية في بغداد بل هو بالتأكيد توصيف دقيق للثقافة الجديدة/ العقلية الجديدة/ الجماعات الجديدة التي نحن بصدد استقبالها والتعامل معها في البحرين اليوم أو غدا.
لقد كان مجسم الجندي الأميركي الذي تفنن المحتجون في تقطيع أوصاله وأجزائه، صورة من ثقافة القتل والإقصاء والتي قد تتطور في أي لحظة لتكون حقيقة، وخصوصا ان مكان الاعتصام لم يكن يبعد كثيرا عن مساكن الجنود الأميركيين وقاعدتهم في الجفير، وهو ما يجعلنا نطرح أكثر من استفهام للدولة في ما تمثله مثل هذه التصرفات وما تعنيه بالضبط، وخصوصا أن بعض حضور الاعتصام كانوا شخصيات رسمية.
المستثمرون من خارج البحرين لن ترهبهم الإعتصامات والاحتجاجات السياسية التي هي بالأساس ظاهرة ديمقراطية، الذي سيرهبهم ويجعلهم يسابقون خطاهم لمطار البحرين، هو رفع علم القاعدة لا علم البحرين، ورفع صور بن لادن لا صور جلالة الملك.
أما الأهم من ذلك، فهو أن هؤلاء الصداميين الإسلاميين المتعصبين يمسكون اليوم بمقاعد في مجلس الشورى ويجهرون في أعمدتهم الصحافية بالتعاطف والانتماء لفكر القاعدة ورموزها الإرهابية.
لقد كانت التوجيهات الملكية في 25 مارس/ آذار الماضي والتي تضمنت إعلان المبادرة البحرينية بإعادة فتح سفارة في بغداد، مبادرة تصب في إعادة العراق لحاضنته الرئيسة والمتمثلة في البوتقة العربية، كانت مبادرة لتمكين ومساعدة الحكومة العراقية التي أتت عبر مراكز الاقتراع بعد حكم البعث البائد، ولم تكن الإشادات الإقليمية والدولية بقرار جلالة الملك إلا دلالة على الدور الذي لعبته البحرين ولاتزال في دعم استقرار دول المنطقة لما فيه خير أبناء بلدانها.
البحرين، التي تحاول الحفاظ على مسيرتها التنموية وزيادة مخرجاتها لا بد لها أن تكون جادة في تعديل صورتها التي هي أمام عبث هذه الجماعات المؤيدة للإرهاب، أمام تحد حقيقي هو أكثر خطورة من جميع ما خرجت به - أو ستخرج - مؤسسات المعارضة الوطنية التي تدرك فعلا أولويات أجنداتها، تلك الأجندات التي وإن كانت في بعض الأحايين قاسية إلا أنها تبقى وطنية خالصة لم يصنعها صدام حسين البائد أو غيره.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 2061 - الأحد 27 أبريل 2008م الموافق 20 ربيع الثاني 1429هـ