العدد 2061 - الأحد 27 أبريل 2008م الموافق 20 ربيع الثاني 1429هـ

سنة لبنان بين سليم الحص وحافظ الشيخ

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

لعله من أبسط أخلاق المهنية لدى المشتغلين والممتهنين والمحترفين للصحافة هو احترام ذكاء القارئ عبر احترام توصيل ونقل الحقائق كاملة، وعدم اللجوء إلى إطلاق تعميمات واهية وتفصيلها على مقاس الحدث المصيري والمشهد العام على رغم كل عقده وتلافيفه وأزماته، فإذا هي أحزمة مطأفنة أو مؤدلجة ناسفة، أو ربما إشباعا لرغبة ونهم معين، وتصفية للحسابات الخاصة للغاية الضيقة جدا «جدا» على أن يكون ثمنها الفادح هو تسطيح وعي القراء وشحنه بكل صنوف الاستعداء والتشكيك الفئوي والطائفي بمسمى «تنويره» إن لم يكن أشبه بـ «تعويره» على الأرجح، فمن سيتحمل مسئولية كل ذلك؟!

ولو شئنا أن نعزز ذلك بمثال فلربما وجدنا الكثير من الأمثلة التي لا حصر لها في تناول الأحداث والقضايا العامة بمناظير ضيقة جدا ومشحونة في جوانبها الطائفية ومن بينها المشهد اللبناني المتوتر والموشك على مزيد من الاضطرام والتسعر إلى حد حضيض الحرب الأهلية الجحيمية التي لن تبقي ولن تذر حتى الوصول إلى فردوس توافقي لا يعرف مداه! وهنا سأستدل على ذلك بنموذجين مغايرين في تناول ومعالجة عموم المشهد اللبناني الرازح في أوج توتراته الطائفية المحلية والإقليمية، وخصوصا ما يتعلق بشئون سنة لبنان، وفي حين من الممكن أن يمثل النموذج الأول المشار إليه سلفا الكاتب الصحافي حافظ الشيخ الذي كانت له الكثير من الكتابات الصحافية حول هذه المسألة، والتي لربما توّجها بمقاله الأخير المعنون بـ «حرب أهلية جديدة في لبنان».

الأخ حافظ الشيخ أشار في بداية المقال إلى أن «أغلب النصارى اليوم ينحون منحى 14 آذار وسعد الحريري، وإنما بين الشيعة وغالب أهل السنة والجماعة، هؤلاء الذين كفروا بالمحور الإيراني/ السوري، وليسوا يرغبون في العودة إلى وضع المذلة للهيمنة النصَيرية و(الاستعمار السوري)» ولكن يحق لنا أن نتساءل أساسا من أين استمد أخونا إحصاءاته وبياناته حول ذلك؟! وماذا كان ليقول مثلا عن حجم اصطفافات تيار «عون» من بين مسيحيي لبنان وما هي النسبة التي يمثلها من الجسد المسيحي اللبناني إذا ما أرادها عبثا نسبيا ورقميا انشطاريا؟! وهل كل من يرفض بالضرورة الانضواء والتلطخ بمواقف سعد الحريري وسمير جعجع والمثير للجدل وليد جنبلاط المختلطة بالقبلات السياسية لبوش وتشيني وكونداليزا رايس هو في النهاية عميل لسورية وإيران، ومن المنادين بعودة «الاستعمار السوري» وربما «التمكين النصيري – الصفوي» حتى «لا يزعل» أستاذنا العزيز؟!

أستاذنا حافظ يشير إلى الملامح الأولية للحرب الأهلية بين السنة والشيعة في لبنان من دون أن يذكر مصادره أو حتى «مصدر موثوق جداَ»، ويشير إلى «تجاهل الصحافة والإعلام لمجمل أعمال الشغب والعراك تلك بغية الترصين والتهدئة واستعادة بواقي السلام الأهلي واللحمة الاجتماعية» إلى أن عرض تكهناته بشأن الأطراف الحاسمة التي ستدخل في الحرب، فيكتب وكأنما بصدد الإعلان عن هذه الحرب واستباق أحداثها «لو نشأتْ حرب اليوم جديدة بين أهالي لبنان فلن تكون، أساسا، سوى بين الشيعة، مدعومين من طهران والقرداحة، وأهل السنة والجماعة، غير مدعومين إلا بقواهم الذاتية الخالصة!» فأي تسطيح للوعي وتجاهل للحقائق وعدم احترام لذكاء القراء قد يمثله ما كتبه حافظ الشيخ في ذاك، وإن كنا قد قبلنا بأن شيعة لبنان ممثلين في «حزب الله» و»أمل» ويتمتعون بأفضال الدعم الإيراني «الصفوي» والسوري «النصيري» فهل «أغلب سنة لبنان» على العكس منهم وهم مجتهدون لذاتهم في خلق «الكيان السني»؟!

أين ذهب إذا محور الدول العربية «المعتدلة» والمتحالفة مع المحور الصهيوني – الأميركي؟! أين ذهب الفضل السعودي المغدق على بعض النخب اللبنانية وعلى رأسهم الحريري، لنحترم القراء رجاء؟!

ما لا يستطيع أن يتجاهله حافظ الشيخ قهرا هو أن هنالك محورين متخاصمين على النفوذ الاستراتيجي في المنطقة لا يمكن إغفالهما مهما كان الموقف منهما وأولهما هو محور الممانعة وتمثله إيران و»حزب الله» و»حماس» و»سورية» وغيرهم، وذلك في مقابل محور الدول العربية «المعتدلة» و»إسرائيل» والولايات المتحدة الأميركية، وليختر له إن شاء بينهم موقعا من دون أن يجتهد في ما قد يؤخذ عليه بأنه تضليل للقراء!

أخونا حافظ وقد بدأت لديه الحرب الأهلية اللبنانية الجديدة يستبق المشهد باتهام «حزب الله» و»أمل» فيكتب «أنّ السبب في مثل هذه الحرب ليسوا هم هؤلاء الصبيان و(الزعران) وإنما ما يُسمى (حزب اللّه) ومنظمة (أمل)، فهؤلاء هُمُ الذين يجهدون ليربطوا لبنان عنوة وبالقوة بمحور طهران/ القرداحة ضدّ إرادة الأكثرية». وكأنما بذلك يتجاهل تضحيات «حزب الله» التي لا يمكن إنكارها حينما خسر الكثير من كوادره بإطلاق نار أمني مبالغ من دون أن يثأر وينتقم لكرامتهم في سبيل كرامة لبنان العليا واستقراره، وبغض النظر عن حجم الزلل والخطأ الموجود هل أغفل أخونا مواقف وأفكار السفاهة السياسية التي يتبناها سعد الحريري المبكر جدا في عوالم السياسة والتي استغلت جيدا، أو أن يغض الطرف حيال أشكال التصعيد والاستفزاز المكللة بالشتائم الهابطة من قبل جنبلاط وجعجع للأطرف الأخرى، والأخيران على وجه التحديد أثبتا احتراما وتهذيبا عاليا في احترامهم لقوانين اللعبة جيدا أكثر من رفيقهم الباكر جدا في عوالم السياسة، فحينما تصبح جبهة التصعيد سنية – شيعية تراهما يتراجعان إلى الكواليس تراجعا رشيقا ليتركا سعد الحريري لوحده في المرمى، فهل بهكذا تؤخذ الأمور!

وربما على صعيد ومنظور آخر في تناول ذات الشأن المحموم يمكننا أن نتطرق إلى رؤية المفكر اللبناني وأحد أبرز الشخصيات اللبنانية السنية والرموز القومية العربية والإسلامية في الساحة وهو رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص ومواقفه التي عبّر عنها في مقاله «نحن أهل السنة» المنشور في إحدى الصحف، وقد تطرق فيه برؤية عامة وشاملة لمواقع سنة لبنان في المشهد العام تاريخيا وحتى في اللحظة الراهنة وبين مواقفه تجاه مجريات الأمور. فالحص قد أشار في البداية إلى أن «الحق يقال ان الجفاء متبادل إلى حد ما بين بعض أهل السنّة وبعض أهل الشيعة. فما تسمعه من بعض أهل السنّة عن أهل الشيعة، تسمع مثله من بعض أهل الشيعة عن أهل السنّة.

عند ذاك ينتابك شعور بأن مجتمعنا يعيش حربا أهلية وإنما داخل النفوس وليس في الأزقة والشوارع والحمد لله، والفضل في عدم خروج الحرب الأهلية إلى الشارع يعود إلى إرادة الكثرة من اللبنانيين، الذين صمموا على عدم العودة إلى أجواء الحرب الأهلية التي خيّمت ما بين العام 1975 والعام 1990 هذا مع إدراك الفارق الخطير في أن الحرب الأهلية انتصبت خلالها خطوط تماس فصلت إلى حد معيّن ما بين الفئات. وعلى رغم الوئام والسلام فهو يشير إلى أن «هذا لا ينفي وجود جماعات من أهل السنّة ضلوا الطريق في الآونة الأخيرة بفعل أحداث أو تطورات معينة فأضحى بعضهم أسير العصبية المذهبية الضيقة. تجاوز بعض هؤلاء عقدة الطائفية واستسلموا لعقدة المذهبية. هؤلاء باتوا يقولون، والحمد لله، إن العلاقة مع إخواننا المسيحيين يجب أن تكون طيبة، فقدرنا أن نعيش معهم بسلام وإلفة. ولكن حديثهم عن الشيعة يغلب عليه الجفاء. فلا تسمع منهم جوابا على السؤال: أليس قدرنا أيضا أن نعيش مع هؤلاء بسلام وإلفة؟».

وفي تعليقه على دعوات الانفصال والمطالبة بتطبيق الفيدرالية في لبنان التي رفعها البعض ونادى بها بقوة كتب الحص مستطردا «كيف تكون حدود قطاع يشمل سنّة الجنوب الشرقي من لبنان وسنة عاصمة الجنوب صيدا وسنّة إقليم الخروب في الجبل، وسنة العاصمة بيروت وسنة البقاع الغربي وبعلبك وسنّة الشمال في طرابلس والمنية والضنية وعكار. إن انتشار أهل السنّة في كل مناطق لبنان يدحض حجة التقسيم على أساس طائفي ومذهبي. من هنا القول إن أهل السنّة كانوا وسيبقون من ضمانات الحفاظ على الوحدة الوطنية.» وفي موقفه تجاه اغتيال الحريري يشير الحص إلى أن «لعل أفدح الأحداث التي وترت الأجواء المذهبية في بعض قطاعات المجتمع الجريمة النكراء التي آلت إلى استشهاد الرئيس رفيق الحريري. فإذا بأصابع الاتهام توجه إلى سورية قبل أن يباشر أي تحقيق، علما بأن التحقيقات الدولية التي أجريت حتى اليوم لم تؤدِ إلى هذا الاستنتاج. مع ذلك بقيت الشبهة في منزلة الاتهام لدى كثيرين، وقد ساعد على ذلك انزلاق وسائل إعلام ذات وزن إلى الترويج للشبهة، وكذلك مواقف دول كبرى تناصب سورية العداء. وبين حلفاء سورية في لبنان جهات وازنة ذات لون مذهبي معيّن».

ويوضح موقفه بصراحة «نحن مع إقامة محكمة دولية، على أن تكون عادلة، فلا تُستغل من قوى دولية معينة لتسييس التحقيقات والمحاكمات. ويجب أن نبقى في انتظار نتائج التحقيق الدولي قبل إطلاق الاتهامات. ونحن مع ملاحقة كل من يثبت ضلوعه من قريب أو بعيد في الجريمة النكراء. ولكننا أيضا مع الحفاظ على أطيب العلاقات مع الدولة السورية، وهي أقرب الأشقاء للبنان. وقد برهنت الأيام أن لا حياة للبنان في عزلة عن سورية. كما لا حياة لسورية في الانغلاق عن لبنان».

وتناول العلاقة مع الشيعة في لبنان تناولا عاقلا ورزينا يأخذ بالثوابت التاريخية الوجودية والمحكمات المنطقية وتصدى للنوازع الطائفية المتفجرة التي يعبث فيها بعض الساسة اللبنانيين الذين يفضلون الخطر الصهيوني الأميركي على «الخطر الإيراني – السوري» وذلك بالتواطؤ مع الحلف العربي الأميركي والصهيوني فكتب «إن المذهب الجعفري أحد المذاهب الإسلامية التي يعترف بها الأزهر الشريف، تماما كالمذاهب السنّية، ومنها الشافعي والمالكي والحنبلي والحنفي. الكل، على تفاوت الاجتهادات في الممارسة، يلتزمون الدين الحنيف بأركانه الخمسة: الشهادة والصلاة والصوم والزكاة والحج إلى بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا. ففي زحمة الحج المبارك لا يدري أحدنا ما إذا كان يتدافع في سعيه مع أناس من السنّة، لأي مذهب انتموا، أو من الشيعة».

ونبه لحقيقة تاريخية لا يمكن إزاحتها من الذاكرة اللبنانية وهي تتعلق بالدور المشرف لأهل السنة والجماعة تجاه مختلف الأحداث والظروف والقضايا المصيرية القومية مهما كانت سوداوية الوضع اللبناني الحالي، فيشير إلى أن «أهل السنّة كانوا ولا يزالون من سدنة العروبة في لبنان. في مرحلة من المراحل كانوا هم شارع جمال عبدالناصر الناشط في لبنان وسائر العالم العربي. فما بالنا نسمع اليوم من قلة خارجة عن الصف توازي بين الشقيقة سورية والعدو (الإسرائيلي)، لا بل بعضهم لا يخفي إيثاره العدو على الشقيق. هذا في منزلة الكفر قوميا، ونحن نربأ بأي من شعبنا الوقوع في شركه. فالاعتبار القومي العربي اعتبار يتعلق بالمصير كما يتعلق بالمصالح الحيوية لشعبنا بصرف النظر عن توزعه الفئوي».

ومن بعد أن اطلعنا على مستويين متباينين جذرا من الكتابة الصحافية، ومن الرؤية والمعالجة للأمور والقضايا الحساسة، فهل يمكننا القول إن حافظ الشيخ قد يمثل الكتابة كطقوس مثيرة وتنفيس عن القهر وتصريف كوابت وانفعالات لحظة آنية، والمفكر سليم الحص قد يمثل الكتابة كفعل تنوير واشتغال مسئولية واستغراق أفق؟! وأيهما أولى وأخبر في شئون لبنان وأيهما أكثر عروبة وقومية في مواقفه من الآخر الشيخ أم الحص؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2061 - الأحد 27 أبريل 2008م الموافق 20 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً