لعلّ الضغط النفسي الذي يولّده الشارع السياسي على جهات المعارضة يدفع جماعاتها نحو نشاط يتسم بالشعارات الحماسية، كما يدفع كتلة «الوفاق» إلى التركيز على بعض القضايا طمعا في كسب ود الشارع الذي انتخبها. وكثيرا ما وجّهت الانتقادات للجهات الرسمية أنها تفكّر على أساس مجريات الأحداث وردود الأفعال وأنّ ذلك يتسبب للوضع بانتكاسات غير متوقعة. ولكن الانتقاد نفسه يمكن توجيهه إلى فئات المعارضة التي تتحرك في كثير من الأحيان على أساس ردود أفعال... والأسوأ أن بعضها يتحرك على أساس أجندة قديمة انتهت صلاحياتها مع تغيّر الظروف الزمانية والمكانية ومع تبدّل الوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي بشكل جذري.
البحرين اليوم تختلف بشكل كبير عن البحرين في 2001 وتختلف بالطبع عن بحرين التسعينات، وبحرين الثمانينات وبحرين السبعينات. القوى السياسية الفاعلة اليوم تختلف، التركيبة الاقتصادية للبلاد تختلف، المسئولون في الدولة، إذ تبدل الصف الثاني والثالث من مسئولي الدولة، وهؤلاء يختلفون عن الماضي... والمعارضون أيضا يختلفون عن الماضي في الصفوف الجديدة التي نشأت خلال السنوات الأخيرة، وكذلك في النهْج والطرح والأهداف والأساليب. وحتى الفئات الوسيطة (النخب) بين الحكم والمجتمع تغيرت، ففي السابق كانت هذه الفئات ليبرالية أو علمانية المنحى، أمّا اليوم فإنّ كثيرا من الفئات الوسيطة والنافذة والمؤثرة على قرارات الحكم تتسم بتوجهات دينية وقبلية وهذه ربما تكفر الحداثة رغم أنها تستفيد من أدوات العصر الحديث.
لا عيبَ في اختلاف الأشخاص؛ لأن الدنيا تتبدل، ولكن العيب في عدم الالتفات إلى أنّ الأوضاع في البحرين تغيّرت جذريا رغم أنّ الظاهر يبدو وكأنّه جامد على صورة أزلية.
بحرين المستقبل (السنوات العشر المقبلة) ستكون أيضا مختلفة عن بحرين اليوم، ونحن نستطيع أنْ نؤثر في جانب من صورة البحرين المستقبلية لو دخلنا كشركاء ومساندين لمشروعات إصلاحية تنفذ حاليا.
نعرف أنّ ما لدينا اليوم من طفرة مالية في موازنة الدولة بسبب ارتفاع سعر النفط ليس أمرا قابلا للاستمرار، كما أنّ التصرّف بالمال، وتوزيع الثروات بشكلها الحالي أيضا غير قابل للاستمرار. ونعلم أنّ المستقبل سيكون للكفوئين والمُدرَّبين والمتعلّمين والقادرِين على العمل في مجالات الحياة المختلفة، وحاليا تتوافر برامج ومشروعات في مجال التدريب والتعليم وإعداد القدرات لخدمة احتياجات السوق... إنّ بعض الرؤى المطروحة من جهات رسمية عليا لابدّ وأنها تتوافق مع طموحات قوى المعارضة والمجتمع المدني، ولاسيما تلك المشروعات التي تسعى إلى تنمية القدرات البشرية وتحسين مستوى المعيشة. وعلينا أنْ نفكّر في أجندة تأخذ المستقبل بعين الاعتبار، ولا تأخذ فقط التاريخ أو الضعظ المتولّد من الحوادث الحالية دافعا وحيدا لتحديد المسلك السياسي.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2060 - السبت 26 أبريل 2008م الموافق 19 ربيع الثاني 1429هـ