هل يحتاج الاقتصاد الإسرائيلي حقا إلى السلام؟ يتفاخر رئيس الوزراء إيهود أولمرت بشكل روتيني بأن النمو قد تعدى نمو الدول الأخرى «المتقدمة» خلال السنوات الخمس الماضية، وحتى أثناء العام 2006 عندما خاضت الدولة الحرب.
وتكتب مجلات الأعمال والاقتصاد عن أكثر من ثمانين صندوق رأسمال تجاري وصناعي إسرائيلي وعالمي تقوم بتمويل مئات المؤسسات الجديدة. وتتساءل مجلة الـ «إيكونومست» - في عددها الصادر في 5 أبريل/ نيسان الجاري عن أسس الاقتصاد الإسرائيلي ومبادئه، ولكنها تعبر عن الشكوك بشأن أمور مثل موازنات البحوث القليلة نسبيا في الجامعات، وشفافية البيروقراطية - «ليس التهديد الأكثر خطورة»، هو العنف السياسي، وإنما «وضع النظام التعليمي».
يتوقع «بنك إسرائيل» تباطؤا في معدلات النمو إلى 5.3 في المئة في العام 2008، ولكن محافظ البنك يضيف بسرعة أن هذا مازال أفضل من المعدلات الغربية، ملقيا اللائمة على تباطؤ الاقتصاد الأميركي. أما تباطؤ عملية السلام، وهي على حالها الراهن، فلم يعد يظهر في خطب المحافظ.
يبدو أن الجميع تقريبا أخذوا يصدقون طرح رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بأن «إسرائيل» تستطيع التمتع بثمار قوتها العقلية بغض النظر عن نزاعاتها: تلك التكنولوجيا العبقرية التي يحتضنها الجيش الإسرائيلي، تضاف إليها حرية أعظم للسوق، هي الدافع الاقتصادي الوحيد الذي تحتاجه «إسرائيل» حقا.
«التكنولوجيا المتقدمة» معزولة عن الحرب، أخبرني نتنياهو مرة في مقابلة، «لأن الموجودات الحقيقية يحملها الناس في رؤوسهم».
يعيد منطق نتنياهو الطمأنينة للنفس، بل وهو حضاري نشط، بصورة غامضة، وهو يعني ضمنيا أن الأذكياء يربحون، وأن الأسواق لا تتطلب اعتذارات أخلاقية، وأن بإمكان الإعداد للحرب أن يحفز على الإبداع. وهذا بالتالي يقترح - وهو أمر جميل وجيد بالنسبة إلى نتنياهو - أنه لا يتوجب على الإسرائيليين الاختيار بين الاحتلال ومعاييرهم الحياتية. هذا منطق سخيف، للأسف.
أولا، يتوجب على «إسرائيل» ألا تقارن نفسها مع الدول العادية المتقدمة، مثل فرنسا. فـ «إسرائيل» نوع من المدينة/ الدولة، تتمتع بأعلى نسبة من الاستثمار في البحوث مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي فيها في العالم. وتتنافس مجالات العمل الرئيسية فيها مع أكثر أجزاء المعرفة الاقتصادية تقدما وعولمة. عليك أن تقارن الأداء مع، على سبيل المثال، سنغافورة، أو وادي السيليكون. في هذا المجال كان أداؤها منذ التعافي من الانتفاضة الثانية مخيبا للآمال.
منذ العام 2000 تباطأت «إسرائيل» بشكل خطير وراء إيرلندا، التي عانت كذلك من انفجار فقاعة التكنولوجيا المتقدمة، ولكنها تمكنت من ترك «مشكلاتها» وراءها.
ثانيا، تعاني «إسرائيل» من أعباء اقتصادية، بينما لا يعاني منافسوها منها. يذهب خُمس موازنتها إلى الجيش، وهو بالطبع مصدر للتكنولوجيا ومدرسة متقدمة للمهارات الجماعية الحاسمة، ولكنه كذلك تبذير ضخم لموازنة البنية الأساسية.
لو كانت «إسرائيل» عضوا في الاتحاد الأوروبي لوضعتها نسبة الدين الوطني إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها في وضع انتهاك لاتفاقية ماستريخت. ويذهب خُمس الموازنة على الأقل لخدمة الدين الوطني.
وتشكل نسبة المشاركة في القوى العاملة الإسرائيلية واحدة من الأكثر انخفاضا في «الدول الغربية»، وهي 56 في المئة. ويعود ذلك إلى درجة كبيرة إلى معدلات الاستخدام المنخفضة بين اليهود المتدينيين واليهود العرب الذين مازالوا مهمشين.
الـ «إيكونومست» على حق عندما تشير إلى أن طلاب المدارس الثانوية الإسرائيلية يحصلون على أقل المعدلات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD. وكما هو الأمر الآن، لا تملك الدولة القدرة على إعادة بناء نظام التعليم العام، أو حتى رفع الرواتب الجامعية لإيقاف الهجرة الدماغية. وتعاني الدولة من أعلى نسب عدم المساواة، إلا أنه لا توجد استثمارات إضافية لاستيعاب المزيد من العرب الإسرائيليين. مازال ثلث أطفال «إسرائيل» يعيشون تحت خط الفقر.
هذه المشكلات متفجرة بطبعها، ولا يستطيع التخفيف منها سوى معدلات نمو أعلى. ولكن هذا النوع من النمو يتطلب السلام.
تحتاج «إسرائيل» إلى أن تركز على صناعات ذات تكنولوجيا أقل وفرص عمل أكثر، هي نفسها التي سيعتمد أصحاب الأعمال الابتكاريون من الفلسطينيين عليها، وسيعتمدون على شركائهم الإسرائيليين ليتعلموا منهم، هذا إذا تم التوصل إلى تسوية سياسية بالطبع: البنية الأساسية والإنشاءات الإسكانية وتصنيع المواد الغذائية والسياحة، ويزور القدس مليونا سائح سنويا بينما يزور براغ تسعة ملايين.
ولكن السلام أساسي حتى بالنسبة إلى التكنولوجيا المتقدمة. حتى يتسنى لها أن تنمو بسرعة يتوجب على «إسرائيل» أن تولد ليس فقط عشرات الأعمال الجديدة التي توظف بضع آلاف من الشباب الأذكياء، وإنما أعمالا كبيرة كذلك توظف عشرات الألوف من مديري المبيعات وموظفي المكاتب والحراس والسائقين. نحن بحاجة إلى مزيد من الشركات مثل أمدوكس وإسكار وتيفا وكيتر. نتنياهو على حق عندما يقول إن شركات كهذه لم تنتج سلعا عالمية بكميات كبيرة، كما تفعل الشركات الصينية التي تدفع رواتب بخسة.
الإسرائيليون يتنافسون في مجال الذكاء، وينتجون حلولا برمجية وتكنولوجيا إنتاجية ومكونات متخصصة ذات نوعية ممتازة لمؤسسات أعمال عالمية أخرى. ولكن حتى يتسنى توفير الحلول، يتوجب على الإسرائيليين أن يعرفوا ما هي المشكلات. هم يحتاجون إلى أن يبنوا علاقات شخصية في جميع أجزاء أوروبا وآسيا، تبدأ بإغراء وجذب ألف شركة عالمية للعمل في «إسرائيل»، وهم بحاجة إلى شبكات فوق شبكات، وتحويلات من شركاء ذوي علاقة.
بمعنى آخر، لا يمكن أن يكون لـ «إسرائيل» اقتصاد مثل اقتصاد سنغافورة، وحرب عرقية مثل بلاد الصرب. أصبح مصنع إنتل الذي كلف مليارات الدولارات في كريات غان في مرمى صواريخ غزة. تلاحظ مجالس إدارة الشركات الكبرى هذه الأمور. ولم تؤسس أي واحدة من الشركات الكبرى الأجنبية الـ36 العاملة حاليا في «إسرائيل» (من إنتل إلى سيمنس) عمليات هنا خلال سنوات العنف (2000 - 2004).
بالمناسبة، إذا كانت «العبقرية» هي الأمر الوحيد الذي يحمل أهمية، فإن لدى الهند عددا من العباقرة يفوق كامل عدد سكان «إسرائيل». وفي حالة الحرب التي لا تنتهي، فإن «ما تحمله رؤوس الناس»، يمكن حمله إلى أماكن أخرى، حتى الآن انتقل أكثر من 30 ألف إسرائيلي ليعيشوا في منطقة الخليج بكاليفورنيا.
لا أقصد المشاكسة. لم يكن العنف ذنب «إسرائيل» وحدها، ولكن الخضوع والرضا هو ذنبها.
والحقيقة الملحة هي ما يأتي: سيؤدي استمرار الاحتلال إلى المزيد من العزلة الدبلوماسية، والتي ستعني بدورها التراجع الاقتصادي التدريجي. لا يستطيع الإسرائيليون أكل النظام العددي العشري.
ألم يحن الوقت ليتعرف مديرو التقنية العالية ونشطاء السلام على بعضهم بصورة أفضل؟
* محرر استشاري لمجلة «هارفرد بيزنس ريفيو» ومؤلف «الجمهورية العبرية»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2060 - السبت 26 أبريل 2008م الموافق 19 ربيع الثاني 1429هـ