يُقال إنّ المأزق الرئيسي الذي يُواجه منظمات المجتمع المدني في عملها في البحرين، وفي غيرها من الدول العربية هو التشبيك بين بعضها بعضا. إذ إنّ خلق اتحاد فاعل وحقيقي بينها هو أمر صعب للغاية. لذلك تبقى إجمالا ضعيفة في أدائها وغير قادرة على الضغط في اتجاه تغيير الواقع الذي يفرض حظوة وتميّزا للقطاع الرسمي.
فعلى رغم وجود اتحاد لنقابات عمّال البحرين، واتحاد للصناديق الخيرية، والاتحاد النسائي، تبقى هذه الاتحادات في حاجة ماسة إلى تفعيل العمل الجماعي الفعلي والمؤثر بينها. فإنْ كانت المكونات الرئيسية لهذه الاتحادات تتصارع علنا أو ضمنا فيما بينها، أو أنها لا تملك سياسة واضحة وموحّدة، فلن يعود لعملها الأهلي قوّة مؤثرة تغير الواقع، وهو الهدف من وجودها بالأساس.
لو أخذنا الاتحاد النسائي مثالا على اتحادات منظمات المجتمع المدني، سنجد عددا من النقاط نذكرها لا على سبيل النقد، بل على سبيل استشفاف الواقع. الاتحاد النسائي هو حصيلة اجتماع جمعيات نسائية من مختلف التيارات والاتجاهات والمناطق، قررت أنْ تجتمع في كيان واحد لتقوّي موقعها في الداخل والخارج.
نجح الاتحاد في أنْ يعقد انتخابات شفافة لانتخاب مجلس إدارته، غير أنّ الجانب الرسمي نجح في المقابل من أنْ يعطل عمله ويرفع ضغط دم عضواته لمدة ست سنوات تمت فيها عرقلة إشهار الاتحاد النسائي بسبب أو من دون سبب.
لعبت وزارة التنمية الاجتماعية دورا محوريا في تلك الفترة لم تنسه العضوات على الإطلاق حتى اليوم.
وأخيرا أشهر الاتحاد النسائي، فصار يشتكي من معوقات أخرى، فموارده البشرية والمادية محدودة، ولديه مشروعات كبيرة يحاول أنْ يعوض بها ما فاته في السنوات الست. خفتت نبرة الاتحاد النسائي طويلا بعد إشهاره، ولم يعد للظهور إلا بعد فترة حتى التقط أنفاسه الوليدة، ليقوم بعمل برامج هادئة هنا وهناك بشأن قضايا محورية بالنسبة إليه. غير أنّ عمله اتسم إجمالا بالموسمية.
وعلى رغم أنّ الاتحاد النسائي يعتبر أحد الكيانات الأهلية القليلة في البحرين التي تتصف بتمثيل حقيقي للقاعدة أو مكوني هذا الاتحاد ومواقفها الموحّدة، إلا أنّ الأمر لم يعدم عددا من المواقف التي عكست إشكاليات في العمق، مثلما حصل عند توقيع الاتحاد على بيان المؤسسات التي استنكرت التحقيق البرلماني بخصوص مهرجان ربيع الثقافة، والذي بينت جمعية المستقبل النسائية - ذات التوجّه الديني - عدم موافقتها على التوقيع على محتوى البيان.
و عدا هذه الحادثة، يبدو الاتحاد مُنسجما بين أعضائه في عدّة أمور، أهمها علاقته مع المجلس الأعلى للمرأة، الطرف الرسمي الممثل للمرأة في البحرين. فقد وقع الاتحاد اتفاقية تعاون مع المجلس، وصار يُدعى لعدد كبير من الفعاليات التي يقوم بها لاحقا، حتى لو لم يشارك فيها. وكثيرا ما انتقد عدم وجود شراكة حقيقية بينه وبين المجلس، وطالب بمشاركته في وضع سياساته ومشروعاته، غير أنه كطرف أهلي لم يقم في واقع الأمر بأية خطوة عملية تثبت موقفا ثابتا يريد اتخاذه بخصوص هذه الشراكة المنشودة. وعلى رغم الاتصال بين الجهتين وخصوصا في القضايا المهمة، لايزال هناك تعامل «حذر»، يحمل الاتحاد وزرا فيه لا يقل عن وزر الجهة الرسمية.
الاتحاد النسائي استطاع أنْ يقوم بعملية التشبيك بين الجهود النسائية الأهلية، لكنه لايزال بحاجة ماسة إلى تطوير طرق التشبيك تلك، فعمليا الاتحاد ليس هو عضوات مجلس الإدارة، وإنما هو القطاع العام من عضوات الجمعيات النسائية، التي يجب أن يكون الذراع التنفيذي للمشروعات، التي يتفرغ فيه مجلس الإدارة لرسم السياسات العامّة ووضع الأولويات وتنسيق العمل، واستخدام أدوات الضغط لتحقيق الشراكة الفعلية مع الجانب الرسمي. الاتحاد النسائي كمثال، وباقي الاتحادات الأهلية لن تتمكن من الضغط للحصول على مواقعها شريكا مع الجانب الرسمي، ما لم تتمكن من تقوية صفوفها الداخلية، وتثبيتها.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 2059 - الجمعة 25 أبريل 2008م الموافق 18 ربيع الثاني 1429هـ