التزم أعضاء المجلس الأعلى للشئون الاسلامية الصمت حيال البيان الذي صدر يوم الخميس (24 ابريل/ نيسان 2008) بشأن إعادة بناء ضريحي الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان والشيخ إبراهيم الواقعين بمنطقة عسكر وما تضمنه البيان من تغيير الاشراف على الموقعين الدينيين من إدارة الأوقاف الجعفرية الى المجلس، وفي الوقت ذاته بدت الردود مرتبكة لشحة المعلومات المتعلقة بالقرار، وكذلك لملابسات ما حدث قبل إصدار رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة البيان المذكور الذي قال فيه ان المجلس «تلقى أمرا من الديوان الملكي بإعداد التصورات والمخططات لإعادة بناء ضريحي الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان والشيخ إبراهيم الواقعين بمنطقة عسكر، وذلك على نفقة عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، على أن يكون المجلس الأعلى للشئون الإسلامية جهة الإشراف على التنفيذ».
وأضاف الشيخ عبدالله بن خالد «إنه ومنعا لأي جدال بشأن موضوع الضريحين فإن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وبحسب الأمر الملكي السامي سيكون المشرف والمسئول عن أعمال تنفيذ المشروع وعند الانتهاء من بناء الضريحين سيكونان مفتوحين لكل من يرغب في زيارتهما»، ووجه «شكره وتقديره لجلالة الملك على دعمه اللامحدود وبذله السخي لتعمير دور العبادة والمؤسسات الدينية وحرصه الدائم للمحافظة على قدسية الأماكن الدينية والعمل على وحدة الصف والترابط بين أبناء الأمة».
ولعل البيان المطروح لا يخرج عن الروح الإسلامية بشأن المساجد {وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا}، فهي ليست ملكا لشخص او طائفة، ولكن ماحدث قبيل الاعلان المذكور، اضافة الى موضوعات أخرى مشابهة جرت وتجري في البحرين، فتحت الباب لكثير من الاسئلة التي تنتظر الاجوبة الشافية.
ففي 21 ابريل 2008 اصدر النائب السلفي المستقل جاسم السعيدي واحدا من بياناته المعتادة التي تسعى دائما لاستثارة ابناء الطائفة الشيعية، وقال في بيانه «تعقيبا على ما نشرته بعض الصحف في تاريخ 3 ابريل 2008م عن خبر زيارة إدارة الأوقاف الجعفرية لمزار صعصعة إن صح التعبير وقبر الشيخ إبراهيم والتي اعترفت فيه الأوقاف بأنها لا تملك أية وثائق أو إثباتات رسمية على لسان مدير إدارة الأوقاف الجعفرية بالوكالة عبدالأمير الجمري تؤكد ملكيتها له وعلى رغم ذلك تريد تنفيذ خطط تطويرية لهذه المزارات كما تدعي، فعجبا عجاب كيف لا يملكونها ويريدون إقامة مشروعات ومزارات عليها».
وهاجم ادارة الأوقاف الجعفرية قائلا انه لا أساس لحكم «هؤلاء بملكية تلك المساجد والمزارات، ولقد كان يذهب إليه جميع البحرينيين إلى المسمى الشيخ إبراهيم في وسط البحر إذ كان الناس في السابق يقلدون القائمين على تلك القبور فيتوسلوا بها ويدعونها من غير الله ويتمسحوا ويتباركوا عندها جهلا بالشريعة الإسلامية الصحيحة ومن باب التسامح حتى ان الأطفال يلبسون الخيوط الخضراء من باب التبرك والشفاء ومن باب التعلم وغيرها وكان في ذلك الوقت من يشيعون تلك الممارسات الخاطئة هم أصحاب مذهب الجعفرية ولكن ذلك ليس بدليل على أنها موقوفة للأوقاف الجعفرية فالأصل والحق يقال بأنها للأوقاف السنية لأنها في قريتهم منذ القدم فإن كانت الحجة هي التقادم فهي نفسها الحجة الأقوى للأوقاف السنية».
وواصل هجومه «بأن الواقع اليوم يؤكد أنه لم يتم إثبات أية ملكية للأوقاف الجعفرية أو حتى للأوقاف السنية وبالتالي فإني أؤكد أن الواقف والمتأمل والناظر بمنظار الحق والمنطق والعقلانية ومن له أن يزن الأمور ميزان الشرع يجد أن من المسلمات الطبيعية ان الأوقاف السنية أولى بذلك من دون نزاع أو ادعاءات ملفقة، لذلك فأنا اقترح في صالح الجميع بأن يكون لأهل عسكر ذوي الأصول الكريمة والعريقة والعوائل المعروفة بدينها ومبادئها وعروبتها وإسلامها قيادة دفة تلك المساجد لوقوعها في منطقتهم وبالتالي يجب أن تتنحى إدارة الأوقاف الجعفرية عن ذلك وتتركها في يد أمينة هي أيدي أهل قرية عسكر حتى لا تتشتت الجهود فلا يعود لأهل قرية عسكر يد فيها».
ولكن إدارة الأوقاف الجعفرية لم تصمت على ما اعتبرته «الحق التاريخي وحق الشعائر الدينية التي لا يمكن أن تعطى بورقة ملكية»، وذلك ردا على بيان النائب السعيدي بشأن ملكية إدارة الأوقاف الجعفرية لمسجد الشيخ صعصعة بن صوحان الأسدي ومسجد الشيخ إبراهيم. وأسفت الإدارة في بيان صدر عنها يوم الثلثاء 22 ابريل 2008 «من الانخراط في مساجلات وردود لمثل هذه القضايا المحسومة والمتفق عليها منذ سنين طويلة»، وقالت: «ادعى النائب أن المسجدين لا يعودان بملكيتهما إلى إدارة الأوقاف الجعفرية وقد احتج بذلك بسبب وجودهما في منطقة عسكر»، وأضافت «وهذه الحجة تنم عن عدم اطلاع أو دراية بما هو واقع ومنطقي فإدارة هذه المساجد بيد هذه الإدارة منذ تأسيسها بل وقبل تأسيسها إذ كانت تحت إدارة علماء الطائفة ويديرونها ويستقبلون الزوار منذ مئات السنين»، مبينة أن «الناس يقلدون القائمين على تلك القبور ويقصد بذلك ممارسات الطائفة الجعفرية فهذا دليل أن هذا المسجد لم ينتزع من آخرين ولم يكن في يوم من الأيام لدى جهة غير هذه الطائفة التي تكون إدارة الأوقاف الجعفرية ممثلة لها في مثل هذه القضايا». وذكر بيان الإدارة أن «مقام صعصعة بن صوحان يمثل امتدادا تاريخيا وتراثيا لهذه الطائفة التي مازال أبناء المعامير والنويدرات الذين نزحوا عن المنطقة لأسباب معيشية واقتصادية يزورون قبور أجدادهم في المقبرة الواقعة جنوب المسجد والتي تحوي أيضا قبور الكثير من العلماء الأفاضل الأثرية والتي تم توضيحها وتصويرها وعمل الرسومات الهندسية لها بالإضافة إلى كتابة البحوث التاريخية عنها وقد سجلت تلك البحوث في الكثير من المنتديات والمنظمات العالمية المختصة بالتراث والذي يريد النائب من هذه التصريحات طمسها ومحوها»، موضحا أن «تاريخ هذا الموقع يشير إلى وجود المدرسة الدينية (الحوزة) الخاصة بصاحب الضريح». وقالت الإدارة إنها «قامت بتقديم تصميم هندسي متكامل للجزيرة التي تحوي قبر الشيخ إبراهيم ويشتمل هذا التصميم على الكثير من المستلزمات باعتبارها معلما من معالم السياحة الدينية بالمملكة التي تعود بفوائدها للوطن عموما».
وأشار بيان الاوقاف الجعفرية إلى أن ما ذُكر بعدم وجود ملكية للمساجد كان القصد منه صعوبة استخراج إجازة بناء من البلدية لموقع مسجد الشيخ إبراهيم في الجزيرة فقط بسبب عدم توافر شهادة المسح الخاصة بالمسجد، أما الملكيات فمعظم المساجد في المملكة لا توجد لها ملكيات وإنما مسمى عقار باسم مسجد وتستخرج شهادات مسح لها لاستخدامها في استخراج إجازات الهدم والبناء. وأما بخصوص مسجد الشيخ صعصعة المقابل للساحل فتوجد إجازة ترميم صادرة عن البلدية والإدارة عازمة في القريب العاجل القيام بترميمه بصورة شاملة ليكون لائقا لاستقبال المصلين والزوار.
وفي 24 ابريل 2008 أصدر رئيس المجلس الاعلى للشئون الاسلامية البيان اعلاه معلنا انتقال الاشراف على الموقعين من ادارة الاوقاف الجعفرية الى المجلس الاعلى الذي يتكون من 16 شخصا، مناصفة بين السنة والشيعة، برئاسة الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة.
وفي 25 ابريل 2008 انتقد رئيس كتلة الوفاق الشيخ علي سلمان في خطبة الجمعة التي القاها في مسجد الصادق بالقفول قرار إنهاء اشراف الاوقاف الجعفرية على الموقعين، قائلا «صعصعة والشيخ إبراهيم هذان المقامان الكريمان لأصحاب علي بن أبي طالب (ع) فيما إذا صح أن هذا الموجود هو صعصعة وإذا صح أن الموجود هو الشيخ إبراهيم بمعنى أن يكون ابن مالك الأشتر (رضي الله عنهما) مع أن التحقيق التاريخي ليس كاملا، ولكن هذه الروايات الموجودة والتعاطي الموجود على هذا الأساس أن هؤلاء هم اتباع علي ابن أبي طالب أو أبناء». وأضاف «بهذه الخلفية العقائدية لأصحاب علي أبن أبي طالب ومحبيه بهذه الخلفية التاريخية، تولت الشيعة على طوال التاريخ القديم جدا جدا جدا الاعتناء بهذين المقامين وتولي شئونهما والإشراف عليهما إشرافا متواصلا لم ينقطع»، مشددا على أن «مسألة تجديد المقامين على نفقة الملك هي محل تقدير وثناء بأن تكون لملك البلاد يد بيضاء في تجديد وبناء هذين المكانين». وتابع «أما مسألة إحالة الإشراف على المقامين من الأوقاف الجعفرية التي تتولى الإشراف حاليا وسابقا سابقا سابقا... إلى ما شئت أما يعني ولاية من قبل أن تتكون الدولة والأوقاف ومن قبل أن تتكون كل هذه الأشياء من خلال اهتمام الشيعة وبنائهم ورعايتهم وزيارة هذه الأمكنة وتكريمها وتبجيلها بما لا يوجد في المذهب الآخر وهذه ستكون مسألة جدلية مسألة إحالة الإشراف على المقامين وينظر إليها نظرة حق بأنها سلب لحق الأوقاف الجعفرية في إدارة وإشراف مكان تابع لها بالمنطق وبالعقل وبالتاريخ، مثل أن يؤخذ هذا المسجد ويجعل تحت المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فهذا سلب إدارة الأوقاف الجعفرية هذا المسجد».
وبالعودة الى حوادث سبقت، فإن هناك تخوف لدى الشيعة من إثارة المشاعر ضدهم لتأكيد حرمانهم من حقوقهم الدينية التي كانت لديهم منذ ان دخلت البحرين في الإسلام قبل اكثر من 1400 سنة، كما يخشى آخرون بأن يندثر الموقعان اللذان كانا محاصرين اساسا. وقد كان مسجد الخميس في السبعينات من القرن الماضي مثار جدل ايضا، وانتهى به الأمر إلى تحويله إلى موقع أثري على رغم أن المنارة الغربية وجد فيها نقش حجري مكتوب بالخط الكوفي موجود على مدخلها يشير إلى بنائها خلال النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي وينسب بناؤها لأبي سنان محمد بن الفضل عبدالله ثالث حاكم من عائلة العيونيين الشيعية.
العدد 2059 - الجمعة 25 أبريل 2008م الموافق 18 ربيع الثاني 1429هـ