العدد 2058 - الخميس 24 أبريل 2008م الموافق 17 ربيع الثاني 1429هـ

تذكر هذين الرقمين: 78 - 22

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

من المثير للدهشة أنّ الإسرائيليين من اليمين، وممكّنيهم من الأميركيين نجحوا في إقناع ولو شخصا واحدا بأنّ مستوطنات الضفة الغربية ليست هي جوهر النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

فكِّر بذلك. النزاع هو حول من سيسيطر في نهاية المطاف على الضفة الغربية وغزّة والقدس الشرقية. لم يعد النزاع حول حق «إسرائيل» في 78 في المئة من فلسطين التاريخية، وهي «إسرائيل» ما قبل 1967. لقد اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق «إسرائيل» كدولة في تلك الأراضي قبل عشرين سنة، ولم تتراجع أبدا عن ذلك التنازل. لم يعد الأمر يتعلّق بما إذا كان الفلسطينيون يستحقون دولة؛ لأنّ «إسرائيل» اعترفت بذلك قبل 15 سنة، ولم تتراجع أبدا عن ذلك التنازل. وليس الأمر بشأن حق كل شعب في العيش بأمان (بعيدا عن الإرهاب وغيره من أشكال التهديدات العسكرية)؛ لأنّ الطرفين وافقا على ذلك المبدأ عشر مرات منذ اتفاقية أوسلو.

كلا، فالنزاع يتعلّق بمن سيسيطر على المناطق المحتلة. يجب أنْ تتضمن صفقة الحل النهائي على أمن كامل لـ «إسرائيل» مقابل دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزّة والقدس الشرقية، والجميع يعرفون ذلك.

حتى خالد مشعل، زعيم حماس السياسي المقيم في سورية، قال الأسبوع الماضي إنّ «الفلسطينيين تبنّوا موقفا مشتركا فيما يتعلّق بإنشاء دولة فلسطينية داخل حدود العام 1967». ولا تعترف المبادرة العربية (الخطة التي تتبناها السعودية وتوافق عليها جميع الدول العربية) بحق «إسرائيل» في 78 في المئة من فلسطين التي هي «إسرائيل» فحسب، وإنما تتعهد بالاعتراف والتطبيع الكامل للعلاقات إذا سُمِح للفلسطينيين إنشاء دولة على الـ 22 في المئة المتبقية.

على رغم ذلك قامت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بتوسيع المستوطنات بتهتّك متهور. ولا ينطبق ذلك على حكومات الليكود فحسب. الواقع أن الفرق كان قليلا في سياسة الاستيطان بغض النظر عن الحزب المتواجد في السلطة. والآن يستمر حزب إيهود أولمرت، كاديما، بنفس الحماقة بتوسيعه المستوطنات بينما يتعهد في الوقت نفسه بتحقيق صفقة سلام مع الفلسطينيين.

لن يحصل ذلك. تتركز المفاوضات على الوضع النهائي للضفة الغربية وغزّة. كيف يمكن إذا أن يقال إنّ الإسرائيليين يتفاوضون بروح طيبة بينما هم يصادرون الأرض في الوقت نفسه؟ هذا الأمر هو كالتفاوض عن ثمن بيت تريد شراءه بينما تنتقل أسرتك مع أثاثها وكلبها إليه.

لن يكون هناك سلام إذا بقيت المستوطنات في مكانها، والجميع يعلم ذلك. بالطبع، يجب السماح لليهود، بموجب أية اتفاقية، أنْ يقيموا في الضفة الغربية تماما كما يقيم العرب في «إسرائيل»، بحماية كاملة، ولكن تحت قوانين السلطة الفلسطينية الحاكمة وتحت رايتها. ولكن لن يكون هناك سلام، ولا يمكن أن يكون هناك سلام بينما تتواجد المستوطنات الإسرائيلية في وسط الدولة الفلسطينية، تماما مثلما لا يمكن أن يتحمل الإسرائيليون وجود مستعمرات فلسطينية ذات حكم ذاتي في وسط «إسرائيل».

واقع الأمر هو أنّ المستوطنة ليست مجرد مجموعة من المنازل. أحد الإسرائيليين الناشطين المعارضين للاستيطان يضعها كما يلي: «ليست المستوطنة أبدا مجرد مجموعة من الفلل المحصنة ذات الأسطح الحمراء على قمة تلة محتلة... المستوطنة تعني كذلك جنودا إسرائيليين... إنها تعني نقاط تفتيش وطرقا تربطها بمستوطنات أخرى وبـ»إسرائيل» نفسها. الطريق ليست مجرد أرض: إنه «حزام أمني» ما فتئ ينمو على الجانبين، أحزمة من حقول ومبانٍ فلسطينية جرفتها الجرافات الإسرائيلية... لا يقتصر دور هذه الطرق الالتفافية المستمرة في التوسّع على خدمة المستوطنين، وإنما هي لعزل المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها بعضا، وتحويلها إلى كانتونات وتقسيم الفلسطينيين إلى أصغر وحدات منفصلة».

في غياب المستوطنات لن تكون هناك حاجة لأكثر من 500 حاجز ونقطة تفتيش، معظمها لا تحرس نقاط الدخول إلى «إسرائيل» وإنما تمنع حركة الفلسطينيين داخل الضفة الغربية. لا يريد المستوطنون التفكير بالفلسطينيين المحليين، أو أن يروهم. يستطيع المستوطنون، بفضل نقاط التفتيش والطرق الالتفافية، أنْ ينتقلوا من مساكنهم إلى مكاتبهم إلى مباريات كرة القدم إلى القدس وتل أبيب دون مواجهة عربي واحد. لا يستطيع العرب، من ناحية أخرى، التنقل بين مساكنهم وأعمالهم دون مواجهة معوقات وإذلالات، إلاّ بصعوبة كبيرة.

سخرية القدر أن قلة قليلة من الإسرائيليين تحتاج المستوطنين بأيّ شكل من الأشكال. المستوطنون منظمون في مجموعات تأثير تملك سلطة كبيرة تهدد بإسقاط أية حكومة تتحداهم. لهذا السبب يوافق رئيس الوزراء أولمرت على التوسع الاستيطاني. وهو يفضل أنْ يكون رئيسا للوزراء على أنْ يكون على حق، الأمر الذي يجعله غير مختلف عن معظم الزعماء السياسيين. الأمر كلّه يتعلّق بالسياسة.

ولكن هذا الطغيان والاستبداد من قبل الأقلية لا يمكن أنْ يستمر. تُظهِر الاستطلاعات الأخيرة أن الإسرائيليين ساخرون إلى درجة كبيرة من حكومتهم. وإذا عرض عليهم خيار لرئيس وزراء جديد يجيب معظمهم. «لا أحد». قارن بين «إسرائيل» عام 2008 والولايات المتحدة، وسترى أميركيين مصممين على تحقيق «التغيير»، وإسرائيليين مستسلمين لفكرة أنّ التغيير لن يحدث، ببساطة.

إنه مكان كئيب موحش لـ «إسرائيل» في الذكرى الستين لتأسيسها. لا عجب أنّ الإعلام الإسرائيلي يتحدث عن عدم وجود إثارة أو بهجة حول الاحتفالات المقبلة. لا يمكن للناس ببساطة أنْ يبتهجوا حول الاحتفال بذكرى عندما تكون التوقعات العامّة هي أنّ المستقبل سيكون أقل مجدا وروعة بكثير من الماضي.

هذا أمر مأساوي. فظهور«إسرائيل» إلى الوجود ونجاحها كملاذ للشعب اليهودي هو أمر يستحق احتفالات عظيمة، فبعد خمس وستين سنة من قيام بطل يهودي عمره 24 سنة، هو مردخاي أنيليفتش بقيادة ثورة لا أمل لها ضد النازيين في وارسو المحتلة، أصبحت «إسرائيل» رابع أقوى قوة عسكرية في العالم. فهي تدافع عن نفسها بنجاح، وتدافع عن اليهود بحق في كل مكان. ويتحدث اللغة العبرية الحديثة اليوم، والتي لم يكن أحد يتحدثها العام 1880، ملايين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين و»العمال الضيوف» من أماكن مثل: رومانيا وتايلند. يعيش حوالي سبعة ملايين إسرائيلي حياة جيّدة آمنة في دولة حديثة دينامية. إنه لجنون مطبق أن نعمل على إفشال هذا النصر لأنّ السياسيين في القدس يخافون من عناصر ثانوية، ناهيك عن السياسيين هنا، الذين تُرعِبهم مجموعات التأثير القائمة هنا في واشنطن العاصمة. تستحق «إسرائيل» أكثر من ذلك بكثير.

توقفوا عن إفشال كل شيء. توقفوا عن قتل الحلم لصالح حفنة من المتعصبين.

* مدير مركز السياسة في واشنطن، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2058 - الخميس 24 أبريل 2008م الموافق 17 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً