كم أحب العراقيين، وأفاخر بأن لي الكثير من الصداقات معهم. كنت أحبهم قبل أن أعرف مذاهبهم وأنتماءاتهم السياسية. وأستمر بمحبتهم بعد أن أعرف. إنها الصداقة والحب، لا يؤمنان بالايدولوجيا ولا يخضعان للطائفية! ولكن ... كم أكره هؤلاء العراقيين الذين رضعوا من ثدي أميركا، وتربوا في أحضان مخابراتها. هؤلاء الذين ما أن تقول (نصف كلمة) عن أميركا واحتلالها للعراق، حتى تجدهم يهبون في وجهك، ويصرخون: «وما شأنك أنت بالعراق؟!». كأن العراق عراقهم وحدهم. هم الناطق الرسمي الوحيد عن شعبه، وتاريخه، وأنهاره. كأنك يجب أن تستأذنهم للحديث عن العراق. أو كن على استعداد لتلقي قائمة طويلة من التهم: بعثي، قومي، إسلاموي، إرهابي، متطرف، زرقاويّ، وهابي... حتى آخر التهم الجاهزة والمعلبة!

(2)

وهذا ما حدث مع «محمد بنيس»! كتب في صحيفة «الحياة» مقالا بعنوان «الكذب الأميركي» مرّ فيه على كل المشاهد المروّعة التي حدثت في «الفلوجة»: من الجثث الملقاة في الشوارع إلى الأعزل الذي يقتل في المسجد. وكيف أن الإعلام الأميركي (الكاذب) يقدم أهل الفلوجة على أنهم جماعة من الإرهابيين، وأن القضاء عليهم - وبأية طريقة - هو عمل إنساني تقوم به القوات الأميركية الطيّبة! هكذا: هبّت في وجه محمد بنيس عاصفة قذرة من المقالات المتأمركة.

تخيّلوا محمد بنيس... المثقف المغربي الكبير، توصف مقالته بأن (عباراتها مرتبكة، ومختلة لغويا) فقط لأنه كتب عن الفلوجة، ووصف المقاومة بالمقاومة. لم يكتفوا بهذا... بل تجاوزوا هذا بأن وصفوه بأنه (طائفي)! لماذا؟ لأن هذه العبارة الصغيرة وردت في مقاله (أهلها المسلمين من السّنة) ... تخيّلوا محمد بنيس الشاعر الحر الحداثي طائفيا! (وضعوا ما تشاؤون من علامات التعجب).

(3)

الأكثر طرافة في الهجوم الذي تعرض له محمد بنيس من العراقيين المتأمركين هو أن أحدهم وصفه بأنه: وهابي! (الحمد لله، هذه التهمة لم تعد خاصة بنا فقط كسعوديين ... هذا إذا قبلنا أنها تهمة!) غير الطريف في الموضوع، أن هؤلاء «المتأمركين» موجودون في كل بلد عربي وعلى كل منبر ... ويا ويلك، ويا سواد ليلك لو تلفظت بكلمة واحدة ضد أمهم العظيمة أميركا!.