رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل قال في حفل زفاف ابنته في دمشق إن لديه سبعة أولاد، وإن رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنيّة لديه ثمانية عشر ولدا “يُمكّنونه من تشكيل حكومة شرعية ومنتخبة منهم”!
هذا ما قاله مشعل (مازحا)، بل الأكثر مما قاله هو أن رجل الأعمال الفلسطيني حمزة المصري لديه أربعون ولدا! استطاع بهم أن يؤسّس حزبا سياسيا هو “حزب العمل الفلسطيني”، إلا أن السلطة الوطنية الفلسطينية قامت بحله لتصيره حزبا عائليا صرفا!
باطن الحديث له وجاهة سياسية لأن يُطرح. فجزء مُهمل من المعركة بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين هي “آلة الإنجاب” التي يبدو أنهم (الفلسطينيين) مازالوا يُمسكون بزمام المبادرة فيها لعدة أسباب، بعضها نفسي والآخر سياسي يتعلق بضرورة الحفاظ على العنصر البشري لإسناد مدماك الصراع المحتدم مع العدو الصهيوني.
وربما تزداد المشكلة تعقيدا عندما نعلم أن الحالة الفلسطينية في هذا المجال تبدو غريبة. فالمعروف أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن المرأة (الأمية) تنجب أطفالا يتراوح عددهم بين ثمانية وتسعة، في مقابل المرأة (المتعلمة) التي يتراوح إنجابها بين الثلاثة والأربعة، لكن الأمهات الفلسطينيات كسرن هذه القاعدة بامتياز.
فالتعليم في غزة جيد، بل إن هناك أكثر من 181 مؤسسة تعليمية، لكن هذه النسبة “النابهة” التي من شأنها أن ترفع نسبة الوعي والتعاطي مع الظروف الاقتصادية بلغة الأرقام؛ لم تمنع الأسر الفلسطينية من أن تتجه نحو التذارر النشط لتنخرط في صوغ خريطة ديمغرافية تكون سطوتها في موازاة المقاومة المسلحة للمحتل الصهيوني.
وزارة الصحة الفلسطينية تذكر أن نسبة النمو السكاني في غزة هي 3.89 في المئة في حين تبلغ نسبة الخصوبة في عموم الأراضي الفلسطينية 5.9 مولودات لكل امرأة، وهما من أعلى النسب في العالم، بل إن نسبة المواليد الذكور في القطاع ارتفعت بمعدل بيِّن منذ أن بدأت انتفاضة الأقصى، حين بلغ معدل المواليد الشهري ألف مولود.
وهي أرقام دفعت مركز القدس للدراسات الصهيونية لأن يُحذر من أن نسبة زيادة السكان العرب في أنحاء مختلفة من فلسطين (القدس مثالا) تشكل ضعف النسبة لدى اليهود أي مقابل كل طفل يهودي يولد طفلان فلسطينيان، وهو ما تسعى إلى تعويضه تل أبيب بالهجرة اليهودية الإشكينازية أو السفارديمية.
خيار التعويض الصهيوني بالهجرة هو خيار تكتيكي وليس استراتيجيا، لأن الرصد الحثيث للحالة الاجتماعية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة تفيد أن هناك هجرة معاكسة بين الصهاينة تنشط في الأزمات، وأثناء الخمول الاقتصادي الوافدين وهو مؤشر خطير قد يفسد هذا الخيار.
خيار التعويض الصهيوني يواجه أزمة أخرى، هي أن الكتل اليهودية المهاجرة إلى فلسطين لا تتحد في هوية جامعة، في حين تبقى الصلات القائمة بين الفلسطينيين متأسسة على قيمة اجتماعية أصيلة، أو على حد قول الدكتور إبراهيم عيسى عثمان على “وحدات قرابية تمثل الأطر المرجعية الأساسية للانتماء والهوية، وفيها يكتسب الفرد (الفلسطيني) معظم خصائصه الشخصية”.
لا أدري، لربما تستطيع بطون الأمهات الفلسطينيات مواجهة الاحتلال الصهيوني بعيدا عن قعقعة السلاح، وغير منتظرة نجدة عربية ناهضة، لتعيد ميزان الصراع بوسيلة مبتكرة، كان الزعيم الروحي لحزب شاس الصهيوني المتطرف الحاخام عوفاديا يوسف يحذر منها حين وصف الفلسطينيين بأنهم يتكاثرون «كالنمل»!
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2057 - الأربعاء 23 أبريل 2008م الموافق 16 ربيع الثاني 1429هـ