مررت الأسبوع الماضي بأحد المجالس العامرة بالمحرق، وطلب مني أحد الإخوة الأعزاء الحديث بشكل ارتجالي عن أي أمر يتعلق بقضايا الشأن العام.
تحدثت عن المنتديات الإلكترونية الطائفية، وكيف أنها تؤسس لثقافة التخوين والتكفير والتفسيق والاقصاء، وأصبحت مرتعا خصبا للسبابين والشتامين ومن لا أخلاق لهم. ولا شك أن بعض الإخوة من المشاركين في تلك المنتديات يقصدون الخير والنصيحة إلا أن الغالب على تلك المنتديات هو الشر والفضيحة!
الحديث الذي دار حول المنتديات الطائفية صار متشعبا (أو أراد له البعض لحاجة في نفسه أن يتشعب!) إلى أن صار حديثا عريضا طويلا تحت عنوان «الطائفية». وصحيح أن المنتديات تتأثر بالمجتمعات التي تحتضنها، فإن كان مجتمعا طائفيا كانت المنتديات طائفية وإن كان وطنيا كانت كذلك، إلا أن من غير المنطقي أن نناقش مسألة السباب والشتم الطائفي العلني على الانترنت بين أبناء الوطن الواحد؛ لينتقل الحديث إلى الطائفية عموما والعقائد والملل والنحل ونبش التاريخ ومن هو على صواب ومن على خطأ، وتحليل الوقائع السياسية ومناقشة العداء المستحكم تاريخيا بين الفرس والعرب... إلخ. وكأني بالمتحاورين لم يصدقوا بأن فُتحت السيرة لهم لينفس الواحد منهم عما يجول بخاطره ونفسه، حتى قال أحد الحاضرين: كأن الواحد من المتحدثين فقيه زمانه وعلامة العلماء في عصره والمحلل السياسي الذي لا يباريه أحد... ومع كامل الاحترام لمن تحدث في شأن الطائفية، فإن الدين له علماء يتحدثون عن علم وبينة وبصيرة، لديهم حسابات دقيقة وظروف محيطة يأخذونها في الاعتبار.
الحديث والنقاش المجرور والمكرور عن الطوائف والمذاهب لا يكون بطريقة عابرة زكأنها «فاست فود» بحيث تهبط فيه المستويات إلى أدنى حد من اللياقة والذوق، فهذا يتحدث عن زواج المتعة وذاك يطعن في زواج المسيار... وكأن الشعب بأسره فطاحل وعلماء دين! وآخر يروج السيناريوهات التي في ذهنه ويشيعها على الحضور لكي يلتزموا بمنهجية التعاطي مع أبناء الطائفة الأخرى بمنظوره الخاطئ نفسه!
وحينما أيقنت بأن الأمر كذلك، جررت ثوبي من أطرافه، وهممت بالخروج غير آسف على مغادرتي المكان، الذي زاد اللغط فيه، وأضحت الفائدة معدومة تقريبا. ومع الأسف، أصبحت الأمور أقرب إلى الاستعراض والمزايدة الطائفية - بعضها مدفوعة الأجر - منها إلى الحوار الفاعل والبناء.
وعلى رغم كل ما جرى في الجمعة الماضية في المحرق الشماء، وما حملته بين ضلوعي من أسى وحزن؛ فقد جاء يوم السبت ليسحب البساط من تحت أقدام المزايدين يوم الجمعة، وذلك بما استطاعت اللجنة الأهلية للدائرة الخامسة بمحافظة المحرق أن تنجزه، وتجمع أبناء الوطن الواحد لمساندة مطالبها، السني والشيعي، وأكثر من (13) جهة لمساندتها في مطالبها العادلة. وكان عملا وطنيا جماهيريا مشرفا نجاح هذا الاعتصام. وهكذا يكون العمل الوطني بالأفعال لا بالأقوال! وإلى الأمام يا خامسة المحرق الأهلية.
ولعل ما قامت به اللجنة الأهلية للدائرة الخامسة بالمحرق بسواعد المحرقيين، هو نموذج في التلاحم الوطني الرائع، والذي سنصل به إلى بر الأمان لهذا الوطن. وعلينا جميعا أن نعمل من أجل ردم الهوة وإعادة الثقة بين مختلف الأطراف في الوطن. فلا أحد بمنجى، في حال الاحتراب الأهلي (الطائفي), والجميع متضرر لا محالة (السني والشيعي) والخاسر الأكبر هو الوطن بأسره. فالطائفية هي أخشى ما أخشاه عليك يا وطني!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 2057 - الأربعاء 23 أبريل 2008م الموافق 16 ربيع الثاني 1429هـ