أكد الناشط الحقوقي نبيل رجب أن أهم ما خلصت اليه تجربة الدفاع عن معتقلي غوانتنامو هو «مساهمة التحرك على هذا الملف – في البحرين على سبيل المثال - في تعزيز التسامح المذهبي بين السنة والشيعة، أولا وعلى اعتبار أن غالبية من كان يعمل معنا بمركز البحرين لحقوق الإنسان، في الدفاع عن المعتقلين في غوانتنامو، هم من أبناء الطائفة الشيعية، في حين أن جميع ضحايا هذا المعتقل هم من أبناء الطائفة السنية. ساعد هذا في تعزيز موضوع التسامح والتقارب المذهبي، في فترة كان فيه الاحتقان والتنافر الطائفي بالخليج العربي في أشد أوقاته، وذلك بسبب تداعيات أحداث العراق. وينطبق ذلك أيضا على تعزيز التسامح الديني بين المسلمين وغيرهم من الديانات الأخرى. فالمحامون المدافعون تطوعا بالولايات المتحدة، هم من الأميركيين من الديانة المسيحية واليهودية، وقد ترك ذلك مردودا إيجابيا على المجتمعات المسلمة المحافظة بدول الخليج العربي، وتغير في النظرة السلبية السائدة تجاه هذه الديانات، وتجاه الشعب الأميركي الذي قدم مجتمعه المدني مثلا يشهد له، من خلال التحرك الحثيث على هذه القضية باحترامه لإنسانية الآخرين بعيدا عن سياسة حكومته»، مشددا على أن النقطة الأخيرة والتي من المهم الإشارة إليها هي «معالجة العلاقة السلبية بين حركة حقوق الإنسان في العالم العربي والتيارات الإسلامية، إذ كسبت حركة حقوق الإنسان بالخليج العربي احترام الجماعات الإسلامية السياسية، بعد حال من التنافر أو القطيعة. وتبقى هذه التجربة المثمرة واحدة من أهم تجارب التعاون، بين الناشطين ومؤسسات المجتمع المدني، مخترقة الحواجز الجغرافية والطائفية والدينية، وهي تعزز الثقة في عمل منظمات حقوق الإنسان، التي أخذت الدور الرائد، وتبعث الأمل في مستقبل أفضل».
وفيما يأتي تفاصيل الدراسة:
تعد مملكة البحرين الدولة العربية الأولى التي يفرج عن معتقليها جميعا من معتقل غوانتنامو ولقد تم الإفراج عنهم ضمن اتفاق دبلوماسي أمني أبرم بين السلطات البحرينية والسلطات الأميركية، لكن ما كان ذلك ليحصل لولا الحراك والنشاط والضغط الذي اشترك فيه الجميع، من مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، ومؤسسات المحاماة، والتحركات الشعبية والبرلمانية المتواصلة، ومن ثم الحكومة التي ظلت محرجة في تقاعسها طوال تلك الفترة.
وقد جرى إطلاق سراح المعتقلين البحرينيين على دفعات، إذ تم إرجاع ثلاثة منهم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، والثلاثة الآخرون تم إرجاعهم كلا على حدة، في أكتوبر/ تشرين الأول 2006 و يوليو/ تموز 2007 وأغسطس/ آب 2007.
وحقيقة وجود المعتقلين اليوم بين ذويهم وأحبائهم، يتمتعون بكامل الحرية بعيدا عن سجن غوانتنامو، يثبت أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد تعتبرهم إرهابيين، وخطر على أمنها كما كانت تدعي للعالم، ما يعني أن احتجازهم طوال تلك الفترة، كان احتجازا تعسفيا ظالما. وواقعا انه لو سنحت لهم الفرصه للتقاضي في محكمة، تمتلك المعايير الدولية للمحاكمات العادلة، لكانت برأتهم مند زمن بعيد.
قد تم اعتقال غالبية المعتقلين البحرينيين في باكستان وليس في أفغانستان كما ادعت الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ينطبق أيضا على الكثير من المعتقلين العرب، وذلك على ما يبدو من خلال شرائهم من بعض القبائل الباكستانية، نتيجة العروض السخية التي قدمها الأميركيون لشراء أي أجنبي يتم اصطياده في تلك الفترة.
بعد ذلك تم إرسال المعتقلين البحرينيين إلى معتقل غوانتنامو في نهاية سنة 2001، وظلّوا مقطوعين عن العالم الخارجي طوال أكثر من ثلاث سنوات، حتى تمت زيارتهم وتبني قضيتهم من قبل مؤسسة محاماة معروفة، في شهر يوليو 2004، على اعتبار أنه لم يكن مسموحا للمعتقلين التقاضي في المحاكم الفيدرالية الأميركية قبل ذلك الوقت، وحتى صدور قرار المحكمة العليا في يونيو/ حزيران 2004.
كان دورنا في هو تقديم العون والمساعدة لأسر المعتقلين العرب في معتقل غوانتنامو من خلال ربطهم بمؤسسات المحاماة المتطوعة بالولايات المتحدة الأميركية، وتقديم المساعدة أيضا للمحامين الأميركيين المتطوعين للترافع عن المعتقلين العرب، وذلك من خلال مساعدتهم في الوصول إلى أسر المعتقلين أو من ينوب عنهم. وعلى اعتبار أنه لم يكن بمقدور المحامين الترافع في المحاكم الفيدرالية الأميركية عن أي من المعتقلين، حتى حصولهم على توكيل من المعتقل نفسه أو أحد أفراد أسرته، كما لم يكن قد سمح بعد لأي أحد بزيارة المعتقل حتى ذلك الوقت، ما ضاعف أهمية وضرورة الحصول على هذه التوكيلات من أفراد الأسرة، وذلك للشروع في الأمور القضائية في المحاكم الأميركية.
بداية مشوار عملنا كان في اليمن على اعتبار أن المعتقلين اليمنيين يشكلون أكبر الكتل الموجودة في المعتقل، ومن ثم واصلنا في البحرين وهي المنطقة التي بقيت مركزا ننطلق منه لكل المنطقة العربية، كان دورنا أيضا العمل على التنسيق بين المحامين الأميركيين، المدافعين عن المعتقلين من بلد ما، مع أسر هؤلاء المعتقلين ومؤسسات المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان في ذلك البلد، وذلك للتنسيق والعمل المباشر.
ومن الصعوبات والمعوقات التي واجهتنا في الوصول إلى أسر المعتقلين في العالم العربي، حيث إننا كنا نبحث عن أسر لمعتقلين لا نعرف عن أسمائهم أو عناوينهم أي شيء، وذلك بسبب رفض الإدارة الأميركية آنذاك البوح بأسمائهم أو عناوينهم أو دولهم، أو أي شيء كان يمكن أن يرشدنا إليهم، ما جعل الأمر أكثر صعوبة، هو أن الكثير من أهالي المعتقلين لم تكن ترغب في البوح بأن لها أقارب في معتقل غوانتنامو، خوفا من بطش واستهداف السلطات الأمنية في بلدانهم. وكانت بعض الأسر تشعر بالخوف أو العار وذلك نتيجة للجو السلبي المشحون ضدهم آنذاك، وبعد أحداث سبتمبر/ أيلول في الصحافة والإعلام العربي والدولي، خصوصا أن عملنا جاء متزامنا مع حملة الولايات المتحدة الأميركية، وحلفائها في الخليج العربي بما يسمى الحرب على الإرهاب، وخوف تلك الأسر من الاستهداف في هذه الحملة. ومن المعوقات أيضا هي عدم ثقة غالبية أهالي المعتقلين العرب بنزاهة النظام القضائي والإداري الأميركي خصوصا عندما يتعلق الأمر بقضايا تتعلق بالمسلمين.
دور المحامين وأهميتهم
كوننا قد قمنا بدور المنسق بين مؤسسات المحاماة بالولايات المتحدة الأميركية، وبين أهالي المعتقلين في العالم العربي، أرى أنه من المهم الإشارة إلى الدور المميز والفاعل الذي قام به المحامون في الولايات المتحدة الأميركية، والمؤسسات المعروفة التابعة لهم، وكذلك ما قام به مركز الحقوق الدستورية، من تسليط الضوء على الانتهاكات الواسعة ضد المعتقلين، وكذلك إبراز هذه القضية كقضية رأي عام في الولايات المتحدة الأميركية، وفي جميع أنحاء العالم. ولكون جميع هذه الملفات شكلت قضائيا ورفعت في الولايات المتحدة الأميركية، كان لذلك الدور الفاعل والضاغط في فضح الإدارة الأميركية، على تلك الانتهاكات، بل إحراج الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي لتقاعسهم فترة طويلة قبل التحرك الفاعل لصالح المعتقلين.
ومن المهم أيضا الإشارة الى أن المحامين كانوا وسيلتنا الوحيدة في معرفة ماذا كان يحصل في داخل المعتقل من انتهاكات، وانعكاسها لاحقا في تقارير منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام العالمية. وكان المحامون أيضا وسيلة نستخدمها ويستخدمها المعتقلون وأهاليهم لتبادل الرسائل الشفهية، على اعتبار أن غالبية الرسائل المرسلة من والى المعتقلين، كانت تقتطع منها الكثير من الأجزاء، من قبل الأجهزة الأمنية الأميركية، ما يفقد هذه الرسائل معناها.
كان نصيب المعتقلين البحرينيين عشرة من المحامين الأميركيين المتطوعين، وذلك من مجموع ما يقارب الخمسمئة محامي، عملوا على هذا الملف في الولايات المتحدة بشكل أو بأخر. وفي الفترة من أكتوبر 2004 وحتى يونيو 2007 قام هؤلاء المحامون باثنتي عشرة زيارة لهم بجزيرة غوانتنامو، وثلاث زيارات أخرى للبحرين. وعادة ما تهدف زيارات المحامين للمنطقة لإبقاء القضية حية إعلاميا وشعبيا، وذلك من خلال اللقاءات مع الصحافة ومؤسسات المجتمع المدني والبرلمان والمسئولين في الحكومة البحرينية، وكذلك أسر المعتقلين لاطلاعهم على آخر التطورات.
وفي الوقت الذي كان البعض من المحامين العاملين على هذا الملف يتعرضون للضغوط الداخلية في بلدهم، وربما التهديدات والتحرشات في أحيان أخرى، بسبب دفاعهم عمن كانت تتهمهم دولتهم (الولايات المتحدة بالإرهاب)، كانوا يواجهون من جهة أخرى الصعوبات الكبيرة في التعامل مع المعتقلين أنفسهم، وذلك لشكوك عدد كبير من المعتقلين بأن الدور الذي يقوم به المحامون، هو دور مخابراتي لصالح السلطات الأميركية، يراد به استدراج المعتقلين الى اعترافات مخالفة للواقع، ولتتم بها إدانتهم فيما بعد، بل كان الكثير من هؤلاء المحامين يتعرضون للطرد أو المقاطعة من قبل موكليهم من المعتقلين.
الحكومات الخليجية والمحامون
تختلف طبيعة العلاقة التي نشأت بين مؤسسات المحاماة الأميركية وكل واحدة من حكومات دول الخليج العربية. فالكويت تعد الدولة العربية الأولى في التحرك قضائيا على مواطنيها المعتقلين، وذلك من خلال رفع قضية في المحكمة الفيدرالية في شهر مايو 2002 وتوكيل مؤسسة محاماة معروفة بالولايات المتحدة ودفع مبالغ طائلة لها. بل تعد الكويت حالة نادرة على اعتبار أنها الدولة العربية الوحيدة التي قامت بصرف مبالغ طائلة لإرجاع مواطنيها من المعتقل.
أما البحرين ففضلت الحوار الدبلوماسي مع الإدارة الأميركية، بدلا من المسعى القضائي المعقد والطويل، وعليه فقد تجاهلت حكومة البحرين لفترة طويلة عمل المحامين الأميركيين المتطوعين للدفاع عن المعتقلين البحرينيين، لولا إجبارها على ذلك من خلال ضغط مؤسسات المجتمع المدني، والصحافة وأسر المعتقلين والمؤسسة البرلمانية. إلا أن العلاقة ظلت شكلية فقط غايتها إرضاء الرأي العام أكثر منه تنسيق وعمل مشترك.
وبالنسبة الى المملكة العربية السعودية ففضلت المباحثات الأمنية والدبلوماسية المباشرة بين الدولتين على المسعى القضائي، فقد تجاهلت السعودية موضوع المحاكم والمحامين تجاهلا تاما، ورفضت أن تستقبل أيا من المحامين، بل رفضت حتى إعطاءهم تأشيرة دخول للمملكة العربية السعودية، للقاء أهالي المعتقلين والتباحث معهم، ما تتطلب أن يقوم مركز البحرين لحقوق الإنسان بترتيب وتنظيم العشرات من اللقاءات الفردية أو الجماعية، بين أهالي المعتقلين السعوديين، والمحامين الأميركان في البحرين، على اعتبار أن البحرين تعد أقرب دولة يمكن السفر إليها من السعودية.
كيف تعاملت الحكومات الخليجية
مع العائدين من المعتقل؟
اختلفت طبيعة وطريقة تعامل الحكومات الخليجية مع المعتقلين العائدين من معتقل «Guantanamo». فقد قامت البحرين الذي عاد لها جميع معتقليها بالتحقيق معهم لحظة وصولهم ولمدة بضع ساعات، ومن ثم إخلاء سبيلهم بضمان محل إقامتهم. أما دولة الكويت التي عاد إليها ثمانية من معتقليها الاثني عشر في فترات متفاوتة، فتم احتجازهم لمدد تتراوح بين ثلاثة وستة شهور، ومن ثم تقديمهم إلى المحاكمة التي حصلوا على البراءة منها بجميع مراحلها. ومن ثم قامت الحكومة الكويتية باحتساب راتب شهري لكل مفرج عنه منذ لحظة وصوله إلى الكويت.
أما المملكة العربية السعودية التي عاد غالبية معتقليها، فقد قامت بوضعهم في سجن لمدة شهر إلى شهرين، ومن ثم إدماجهم في برنامج إعادة تأهيل، لمدة ستة شهور في منتجع شبيه بالمنتجعات السياحية، من برك للسباحة وملاعب مختلفة وكامل المعدات الرياضية والترفيهية. ويتم الإفراج عنهم لاحقا بعد إهداء كل واحد منهم سيارة، وراتبا شهريا مدى الحياة، ومبلغا للزواج وبدل سكن شهريا.
أحوالهم بعد الوصول
اندمج كل العائدين من معتقل غوانتنامو تقريبا، مرة أخرى في مجتمعاتهم الخليجية، بل حاول الجميع من حولهم مساعدتهم على ذلك. ونتيجة للظروف التي مرّوا بها من تعذيب وسوء المعاملة، واصل البعض منهم في النفور من كل ما هو أميركي، بل التشكيك في الكثير مما حصل لهم وحتى في المحامين المدافعين عنهم، ومؤسسات حقوق الإنسان، والصليب الأحمر الدولي الذي زارهم، بل يعتقدون أن جميعهم كانوا يخدمون الأجندة الأميركية.
ولقد زارت المنطقة أخيرا أكثر من مؤسسة بحثية أو صحافية أميركية أو غربية، محاولة اللقاء بالمعتقلين المفرج عنهم، لكن ردة فعل غالبية المفرج عنهم كانت رفض اللقاءات بهم، بسبب شكوكهم في نواياهم أو أجندتهم الخفية، أما البعض الآخر فلم يود أن يلتقي معهم محاولا نسيان الماضي الأليم، بل أصبح مقاطعا لأي شيء يذكره بذلك الماضي المرير.
وعلى رغم صعوبة الظروف في التعامل مع الانتهاكات والفظائع التي جرت في المعتقل، فإن هناك بعض الجوانب الايجابية التي يمكن استخلاصها. فبسبب الجهود التي قام بها الجميع وعلى رأسهم المؤسسات الدولية غير الحكومية لحقوق الإنسان، ومؤسسات المجتمع المدني، في كل دول العالم، تم تغيير النظرة السلبية السائدة للمعتقلين في غوانتنامو، من إرهاب وإرهابيين، وقتلة في أيدي العدالة الأميركية آنذاك، إلى النظرة السائدة الآن على أنهم ضحايا اعتقال تعسفي غير شرعي، قابعون في سجون لا تتوافر فيها أية من المعايير الإنسانية.
العدد 2057 - الأربعاء 23 أبريل 2008م الموافق 16 ربيع الثاني 1429هـ