لاأزال أحمر وأسخن حينما أتذكر الموقف الغريب الذي وضعت فيه نفسي، حينما كنا حاضرين خلال افتتاح معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية، وخصوصا حينما اقتربت من عمل فني يمثل جهاز تلفاز يعرض فيديو يصور صنبورا يتدفق منه الماء، وفي أسفل القاعدة التي تحمل التلفاز يوجد أنبوب زجاجي وكأنما هو موصول بالتلفاز - الصنبور تحديدا - ويمر خلاله الماء فيما يعطي انطباعا أن الماء يخرج من التلفاز إلى الأنبوب.
اقتربت من الفنان حامد البوسطة، وهمست باستخفاف «ما هذا الجنون؟»، فتجاوب معي قائلا: «حقيقة ما هذا؟»، وترك لي الحرية في أن أعبر عن مشاعري تجاه فكرة العمل الواقف أمامي!
المضحك أنني بعد أن ابتعدت قليلا أخذت في تصفح الكتيب الخاص بالمعرض، وأطالع ما بين اللوحات والأعمال الفنية، وبين أسماء الفنانين الذين قاموا بتقديم هذه الأعمال، لأقع على حقيقة أن العمل الذي كنت أصفه بالجنون، ما هو إلا عمل حامد البوسطة نفسه، فحانت مني التفاتة بسيطة له، وفهم هو أن المعلومة قد وصلتني، وبادر بالابتسام لي، حتى أذابني في ملابسي خجلا.
حامد أصبح بعد هذا المشهد يسبقني في المعارض الفنية دوما بوصف ما هو أمامه بالجنون، ضاحكا لذكرى الموقف الذي جمعنا، ويصف جميع من حولنا بالمجانين، في كلمة مرحة يرددها هي «ميانين كلهم ميانين».
اعتبر حامد الموقف رد فعل عفويا، وكان قد أحبه نظرا إلى أنه جاء من دون معرفة مني بكونه صاحب العمل المعروض، ولكنني -على رغم الإحراج - لاأزال مصرا على أنه كان جنونا، وأن جميع الأعمال الفنية التي تقدم هي محض جنون أخرج مجموعة من المجانين من داخل الصندوق المغلق الذي يحتوي باقي الناس، وجعلهم يبتدعون لنا في مجالات الرسم، النحت، الخزف، الموسيقى، الشعر... كلها مطالعات جنونية، يعجز العقل السوي عن أن يشطح للتفكير فيها.
العدد 2057 - الأربعاء 23 أبريل 2008م الموافق 16 ربيع الثاني 1429هـ