يستعد عدد من المنظمات الأهلية في الكويت للقيام بدور «مراقب» للانتخابات النيابية المقبلة سواء من خلال إعلانات تدعو إلى التطوع للعمل كمراقبين في الدوائر أو بالانتساب لدورات تدريبية بهدف معرفة المعايير الدولية للانتخابات وكيفية المراقبة قبل إعلان النتائج وبعدها؟
والسؤال ذو الصلة، هل تحتاج الكويت إلى «مراقبين» محليين أم دوليين، وهل ستسمح الحكومة لهؤلاء بالدخول إلى اللجان المشرفة على صناديق الاقتراع وتمكينهم من الاطلاع على جميع مراحل العملية الانتخابية؟
ربما كانت زيمبابوي أقرب مثال لمدى الحاجة إلى مراقبين دوليين نظرا إلى التنازع المرير وشديد الخصومة بين المعارضة والحزب الحاكم وتقرير من هو الفائز بالانتخابات الرئاسية بعد اتهامات متبادلة بين الطرفين بالتزوير في النتائج ومناشدة المجتع الدولي بالتدخل...
لكن هل ما يصح في زبمبابوي يصح في الكويت؟
وماذا ستضيف فرق «المراقبة الدولية» إلى العملية الانتخابية؟
هناك مستويات مختلفة من «المراقبة» منها ما يرتبط بالأمم المتحدة وأجهزتها المختصة كإدارة الشئون السياسية وفق معايير وضعتها لهذه الغاية وتعرف بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتي طبقتها في أكثر من دولة عضو ومنها ما تقوم به منظمات ومؤسسات إقليمية بناء على طلب الدولة المعنية ولذلك يفرق الخبراء بين «نوعية» المراقبة والتمييز بين أن تكون تحت إشراف الأمم المتحدة بالكامل أو بين إرسال بعثة للمراقبة وما يستتبع ذلك من إجراءات ونتائج. أما مراقبة منظمات المجتمع المدني فهو أمر مختلف بأدائه وبنتائجه.
وجود المراقبين الدوليين موضوع حساس له علاقة مباشرة بمفهوم السيادة واختصاصات الدساتير والقوانين المعمول بها... وهو بالأساس طرح بغرض منع التلاعب بالتصويت وبطريقة الاقتراع وبالضمانات التي تقدمها السلطة للمواطنين.
يعني باختصار، حضور المراقبين الدوليين في أي انتخابات يفترض وجود تزوير وتلاعب من قبل السلطة وأنها ليست حيادية ولذلك تتبنى منظمات حقوق الإنسان ضرورة الاستعانة بمراقبين «أجانب» لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات والالتزام بالمعايير الدولية وعدم انتهاكها كضمانة لنتائج صحيحة تعكس الإرادة الحرة للمواطنين بممارسة حقوقهم السياسية والمدنية.
أنصار حقوق الإنسان يبررون دفاعهم الاستعانة بالمراقبين الدوليين والمحليين على خلفية فقدان الثقة بحيادية السلطات التنفيذية في هذه البلدان والزاخرة بالتزوير والتلاعب وعمليات الغش بالممارسة الانتخابية.
على الطرف الآخر، يثير «التدخل» حساسية مفرطة لدى العديد من الأنظمة الخليجية والعربية وينظر إليه باعتباره خرقا لمبدأ السيادة وعليه يرفضون تماما فكرة التعامل مع المراقبين الدوليين أو السماح لهم بالحضور في مقرات الاقتراع أوغيرها من الأماكن المناطة بالدولة وأجهزتها التنفيذية.
قد يكون مفهوما أن تقبل إندونيسيا استضافة عدد من المراقبين الدوليين «للمراقبة والإشراف» على أول انتخابات تجرى فيها العام 1999 بعد أول انتخابات حرة جرت هناك قبل 45 عاما.
لكن هل الانتخابات التي تجرى في عدد من الدول الخليجية والعربية تتم بنزاهة وشفافية ودونما حاجة إلى من يراقبها ويمنحها شهادة براءة؟
المعنيون في الكويت بمراقبة الانتخابات لديهم تجربة متواضعة وقفت عند حدود التمني على الحكومة أن تسمح لهم بالمراقبة بعدما «رصدوا» مجموعة من التجاوزات في انتخابات 2006 منها عمليات شراء أصوات وتلاعب وبانتظار ذلك سيبقى الأمر محصورا في إطار كتابة التقارير الروتينية التي تنشرها الصحافة اليومية أثناء متابعاتها الإعلامية للانتخابات...
خارطة «المراقبين» في العالم العربي تتفاوت بين دولة وأخرى ففي البحرين مثلا لم تسمح الحكومة بالمراقبة الدولية ولا المحلية واكتفى المراقبون المحليون بالجلوس خارج قاعات الاقتراع على رغم تشكيك المعارضة بنزاهة الحكومة، علما أن قانون الانتخاب لا يعطي الحق بالمراقبة إلا للقضاء وبممثلين عن المرشحين للحضور وبقيت تقارير المراقبين التي أصدروها بعد إعلان النتائج مجرد تمارين ذهنية لا أثر لها في الواقع العملي.
في المغرب سمحت الحكومة العام 2007 ولأول مرة بحضور 52 مراقبا دوليا سجلوا من ضمن «الملاحظين» المغاربة وأدرجوا بالقوائم على هذا الأساس بعيدا عن مصطلحات «المراقبين» التي تستفزهم وتثير فيهم العصبية السيادية وهم بدورهم أي «الملاحْظة» استقدموا مجموعات مراقبة من الخارج تعمل تحت مظلتهم.
«فالملاحظ» لا يمثل سلطة دولية تقوم بأعمال تتنافى مع مصطلح السيادة من منطلق أن المغرب لا يعرف التنازع على النظام وبالتالي فإن أجهزته المحلية والقضائية تتولى عمليات المراقبة دون غيرها من السلطات.
أما اليمن فتكاد تتميز عن باقي الدول العربية التي تمارس الانتخابات لكونها تسمح لمراقبين دوليين ومحليين وشبكات عربية أهلية بأن تقوم بدور «المراقب» وفي كل الدورات الانتخابية، سواء برلمانية أو رئاسية أو مجالس محلية، فهناك مراقبون يدخلون صناديق الاقتراع بموافقة اللجنة العليا للانتخابات والتي تمثل كل شرائح المجتمع اليمني وبحسب قانون الانتخابات فالدولة ملزمة بإعطاء تصاريح للمراقبين لتقييم ومراقبة الأداء الانتخابي ومنظر أصحاب البطاقات الدولية الذين وصلوا إلى نحو 700 مراقب أصبح جزءا من المشهد الديمقراطي الذي ينتظر تقاريره النهائية وخصوصا تقرير بعثة الاتحاد الأوروبي التي تحولت إلى جواز مرور للعلاقات بين اليمن وبلدان الاتحاد الأوروبي وبما يمثله من ثقل سياسي واقتصادي يستفيد منه اليمن، ويلاحظ أن معظم التقارير تخلص إلى القول إن الانتخابات اتصفت بالنزاهة والشفافية باستثناء تقرير المعهد الديمقراطي الأميركي الذي لاحظ صورا كثيرة من التجاوزات والخروقات والعنف السياسي المصاحب للأداء الانتخابي...
وفي الأردن الذي استعاد حياته الديمقراطية منذ العام 1989 وأجرى أربع دورات انتخابية لم تتمكن مجموعات العمل الأهلي والمدني من الحصول على موافقة حكومية بالإشراف والرقابة على الانتخابات باستثناء «مراقبين» محليين العام 2007 يتبعون المركز الوطني لحقوق الإنسان اقتصر دورهم على المتابعة من خارج مراكز الاقتراع وإصدارهم لتقرير يرصد التغطية الإعلامية ويفحص مدى التزام الصحافة الأردنية بالمعايير الدولية للانتخابات...
وحده اليمن الذي تفرّد بتشريع ملزم للسلطة يسمح بوجود مراقبين دوليين ومحليين للإشراف والمراقبة والرصد فيما الدول الأخرى مازالت الرقابة فيها تمارس عن بُعد ومن دون صلاحيات مؤثرة.
العدد 2056 - الثلثاء 22 أبريل 2008م الموافق 15 ربيع الثاني 1429هـ