أحد الموضوعات الذي يتكرر الحديث عنه فيما يتعلق بإدارة الاختلافات بين الأطراف التي تسعى للعمل في أجواء ديمقراطية هو القدرة على «بناء الثقة» لخفض مستوى التخوّف بين الفئات الداخلة في عملية سياسية تشاركية؛ وذلك لأن بناء الثقة ينتج عنه الشعور بالاطمئنان نحو الآخر، ويساعد على توجيه الجهود بصورة إيجابية نحو التنمية.
بناء الثقة يتطلب الحد من التصعيد في الخطاب السياسي، ويتطلب فتح القنوات بين الجميع للحد من المفاجآت التي تعكّر الأجواء وذلك من خلال تجنب سوء الفهم حول الأحداث الغامضة أو التهديدات المتصورة. إن ما تحتاج إليه مختلف الفئات الناشطة هو تعزيز الثقة المتبادلة لمنع أو تخفيض الأعمال الخارجة عن الإطار السلمي أو تلك الممارسات التي تخرق حقوق الإنسان.
ومن الواضح أن لدينا في البحرين الكثير من الخطوات التي تنحو باتجاه بناء الثقة بين فعاليات كانت متباعدة في الماضي، ولكن هذه الخطوات - بصورة عامة - تفتقد الترتيبات المؤسسيّة التي تضمن ديمومتها بشكل حثيث يوازي التعقيدات المتزايدة في أوضاعنا.
بناء الثقة قد يتطلّب أيضا انتهاج أسلوب جديد في التعامل مع التعيينات في المناصب الرسمية... فبدلا من المحاصصة التي كان معمولا بها في الماضي، وبدلا من الإقصاء الذي شاهدنا جانبا منه في عدد من المجالات خلال الفترة الأخيرة، يمكن أن ننظر إلى ما قامت به دول أخرى كأنموذج بديل. ففي ماليزيا كانت المحاصصة في المناصب هي السياسة المتّبعة، ولكن خلال الأيام الأخيرة تم تعيين أشخاص من اثنيات وفئات لم تكن تستطيع الصعود إلى مناصب عليا، وذلك على أساس الكفاءة، بغض النظر عن الانتماء السياسي أو العرق أو الجنس.
إن الفرص تنفتح حاليا على اقتصادنا بكثرة، وبلادنا ثرية في تنوّعها المجتمعي، ولدينا الكثير من الموهوبين، ولدينا موارد بشرية مستعدة للعمل في مجالات مختلفة، وهناك توق للتحصيل العلمي والتدريب المستمر... والمواطن الذي يجد أن وطنه يفسح له المجال على أساس كفاءته، فإنه يبادل ذلك بثقته بالمستقبل على نحو إيجابي، وتتحول الطاقات من التفكير التفاضلي - الإقصائي، إلى التفكير الإبداعي - الإنجازي. كما أن هذه الأجواء هي التي تخلق القدرات التنافسية التي تنهض بالبلاد نحو آفاق مشرقة.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2056 - الثلثاء 22 أبريل 2008م الموافق 15 ربيع الثاني 1429هـ