الاعتراف الضمني بممارسة التمييز بحرينيا، الذي ساقه وزير الدولة للشئون الخارجية نزار البحارنة في تصريحه الأخير، من دون الإقرار بأنه خطيئة واقعية، كان مدعاة للاستغراب من خشية الحكومة الإفصاح عن حقيقة دامغة أصبح يقر بها حتى الحلفاء والأصدقاء الغربيون (وليس العرب طبعا).
الحكومة كعادتها تحاول إقحام بعض الوجوه التي كانت محسوبة يوما ما على المعارضة في مواجهة ما لا تستطيع مواجهته بنفسها، فتزج بهم في فوهة المدفع ليتخذوا موقع الدفاع عن المساوئ المتراكمة، وهذا ما حدا بالوزير كما يبدو إلى التملص من الإجابة الحقيقية، ومحاولة الرد بدبلوماسية، بقوله «نعم، هناك فعلا من يمارس التمييز، وذلك يعود للفرد نفسه»، ثم يستدرك «لا يوجد أي بلد يخلو من ممارسة التمييز».
يعتقد غالبية البحرينيين، وتشاركهم عشرات الجهات الحقوقية داخليا ودوليا الاعتقاد، أنه من المعيب الحديث عن إنجازات تنموية واستقطاب استثماري واسع في ظل التأسيس لعنصرية مقيتة تفرز الشعب إلى طبقات أولى وثانية وثالثة. وذلك ما تشهده قوائم موظفي وزارات الدولة نفسها بصورة أولية (راجع متقلدي المناصب الإدارية في عشر وزارات على الأقل). إذا فالتمييز يعود للدولة نفسها وليس للفرد نفسه كما ذكر الوزير البحارنة تملصا.
أما إذا كانت السلطة تعوّل في تفريخ هذه الظاهرة بدلا من احتوائها على تعزيز رأي كاتبة نكرة موغلة في الاستفزاز مقابل عشرات الآلاف من الأصوات المجاهرة بوقف التمييز، فهي مخطئة جدا؛ لأن من اعتمدت ومازالت تعتمد عليهم في «التخصيب» المستمر للتمييز، وإنشاء المزيد من أجهزة «الطرد الطائفي» عبر قنوات وزارية وبرلمانية وإعلامية عدة، لم ولن يستطيعوا وقف إفرازات هذا التطفيش الذي بدأ ينحو بالبلاد إلى التأزيم أكثر فأكثر.
العقلية السياسية والاستثمارية إذا كانت جادة في توفير المناخ الملائم لجذب المشروعات التنموية عليها أن تتخلى عن نزعاتها الضيقة التي تتسبب في التأجيج الأمني غير محمود العواقب، وأجمل دليل على ذلك ما قاله الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة أمس الأول بأن «صحافة الإقصاء هي المتهم الأول في طرد الاستثمار»، وكذلك من يرعى هذه الصحافة ويمولها طبعا، وإشارته إلى أن القول «إننا لسنا محتاجين للآخرين، هو ما قد يبعد المستثمرين في القطاع المالي».
كل الحلول الإصلاحية التي تقفز على واقع التمييز والتجنيس السياسي في البلد هي بلا شك حلول ترقيعية لن تؤتي ثمارها، والقول بنفي وجودهما (التمييز والتجنيس) أصبح ضربا من «المسخرة»... فمن يتقبل؟!.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 2055 - الإثنين 21 أبريل 2008م الموافق 14 ربيع الثاني 1429هـ