إنها ليست معركة إعلام... ولكنها معركة إصلاح مجتمع، والارتقاء بمستوى الحقوق العامّة، والمساواة أمام القانون بين جميع المواطنين.
الدرس الأكبر خلال العقدين الأخيرين، لم يستوعبوه بعد، ولذلك يكررون: الإعلام، الإعلام، الإعلام. ولكن أيّ إعلام؟
هل تعتقدون أنّ الإعلام الرسمي «قصّر» في خدمته؟ وهل كان نائما طوال العقدين الماضيين؟ ألم يكن إعلاما أمينا ووفيا ومُخلصا للسلطة بأكثر مما كانت تحلم وتريد؟ ليس الخلل هنا، وإنّما الخلل في طريقة التفكير المتخلّفة عن العصر.
إنهم يفترضون أنّ السلطة ليست على «إدراكٍ تامٍ» بأنّ معركتها مع «خصومها السياسيين» هي معركة إعلامية بالدرجة الأولى في هذه المرحلة بالذات! ومع ما في هذا الافتراض من مغالطةٍ وتسطيحٍ للأمور وتجاوز لمفردات الواقع، فإنّ السؤال: ماذا بعد؟ لنفترض أنها معركة إعلامية، ما هو المطلوب؟ زيادة جرعة البرامج الدعائية للحكومة التي تمتلك الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء وتتحكّم في كل مفاصل الحياة أم بزيادة موظّفي العلاقات العامّة واستيراد مزيد من «أنصاف المثقفين» العاطلين عن العمل، والزائدين عن الحاجة في بلدانهم؛ لاختراق المنتديات وكتابة مقالات بأسماء مستعارة في صفحات القرّاء، والرد على ما يُنشر في الصحافة المحلية بطريقة سوقية مكشوفة؟
ما هو المطلوب إذا؟ لنفترض أنّها معركة إعلامية... هل الحل في استضافة شخصيات موتورة لتستعرض فظاظتها على المشاهدين، وتشبّه أحد أكبر مكونات الشعب بالصهاينة. مهما تكن خلافاتنا السياسية، هل يقبلها لنفسه أيّ حر أو حرّة يعيش على أرض هذا البلد؟ وعندما تنتقدهم على هذه الإساءة يُكابرون كالأطفال ويقولون إنها «حرية تعبير»! لو كانوا يحترمون أنفسهم، ويحترمون هذا الشعب ومكوّناته، لاعتذروا... ولكنهم لا يعرفون لغة الاعتذار.
إنها عملية تسطيح وتزوير للوعي، فالبلد لا يحتاج إلى معركة إعلامية، بل يحتاج إلى معالجات سياسية واقتصادية جريئة لمشاكله الآخذة بالزيادة والتعقّد مع الوقت. هذه اللغة هي لغة «أمن الدولة»، وهذا العصر هو عصر الحقوق بامتياز، والبلد الذكي هو مَنْ يُعطيها طوعا لشعبه قبل أن تُفرض عليه من الخارج، فالمعالجة «الإعلامية» لمشكلات المجتمع المعاصر لا تقل قصورا ولا تخلّفا عن المعالجة «الأمنية»، وإلاّ سنبقى ندور مثل الثور المغمّض حول الساقية.
هناك مشروع إصلاحي لا يُمكن إنكاره على الأرض، وليست المشكلة في كيف تروّجها وتدافع عن مواقف الحكومة، ولكن العارفين بالوضع يُشيرون إلى حالةٍ من التوقف والمراوحة، حتى على مستوى البرلمان، الذي لم يعد الكثيرون يعوّلون عليه بعد هذا الاصطفاف الطائفي وتحوّله إلى حائط صد.
هناك مشكلات وأزمات حياتية يعرفها الجميع ويُعاني منها الكثيرون، من إسكان وتعليم وصحة وبطالة وتمييز. هناك خط فقر يتسع، وموجة غلاء موجعة، وطبقة وسطى تضعف وتتراجع في السُلّم الاجتماعي. كلها مشكلات عميقة تحتاج إلى حلول وليس إلى معارك إعلامية وشراء ذمم واستيراد «مجموعات إعلامية» من هذا البلد أو ذاك؛ ليزيد مَنْ يعتاشون على حساب خير البحرين ودماء أبنائها مثل العلق.
وأخيرا... إذا كنتم تعتقدون أنّ المصيبة فعلا في تسيّد «الخصم السياسي للساحة الإعلامية محليا ودوليا لإدراكه الثغرة الإعلامية»، فهل ببرامج «الرأي الذي لا يُمس» وتبني أثقل أنواع الضيوف على القلوب، ووصف الناس بالصهيونية... ستتسيّدون الساحة وتملأون الفراغ!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2054 - الأحد 20 أبريل 2008م الموافق 13 ربيع الثاني 1429هـ