العدد 2054 - الأحد 20 أبريل 2008م الموافق 13 ربيع الثاني 1429هـ

رايس... وقمة دول الجوار

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

غدا تبدأ دول الجوار في الكويت دورة جديدة من المباحثات بشأن الملف العراقي. الولايات المتحدة ستكون الطرف الأقوى في المحادثات بصفتها الدولة التي اختلقت الأزمة وفجرتها في المحيط العربي - الإسلامي فأصابت شظاياها تلك الدول التي تصادف وقوع حدودها الجغرافية على أطراف بلاد الرافدين.

الدولة الراعية للحرب ستكون الطرف الذي سيشرف على إدارة ملف الأزمة وربما الطلب من الدول التي تضررت من افتعال الكارثة المساعدة على ابتكار حلول لإنقاذ الاحتلال من الورطة وتداعياتها.

السياسة الأميركية بعد أكثر من خمس سنوات على الغزو بلغت درجة من الوقاحة لا يمكن تصورها في كوابيس الليل. فالوزيرة كوندوليزا رايس أطلقت قبل يومين من بدء فعاليات قمة دول الجوار في الكويت تصريحات استفزازية وصلت إلى حد اتهام الدول العربية بعدم المساعدة على إنقاذ العراق والدفاع عن وحدته السياسية وهويته العربية. وزيرة الخارجية الأميركية طالبت دول الجوار بالدعم و«فتح سفارات في بغداد وتبادل سفراء». وشجعت الدول العربية أن تدعم حكومة نوري المالكي إذا كانت جادة في إعادة «دمجه بالكامل في العالم العربي». فالوزيرة أظهرت نفسها أنها أكثر حرصا من العرب على تأكيد «هوية العراق العربية». ورأت أن هذا الأمر يتكفل بوقاية العراق «من تأثيرات إيران المؤذية» ونزع المالكي من إطار النفوذ الإيراني ودعم طهران غير المشروط لحكومته.

كلام رايس الذي أوردته وكالة «رويترز» من واشنطن يرسم صورة سوريالية تعيد تشكيل لوحة زيتية مختلطة الألوان وغير واضحة المعالم. فالوزيرة تحمل دول الجوار العربية مسئولية الفشل وتطالبها بلعب دور في مواجهة النفوذ الإيراني دفاعا عن وحدة العراق وهويته القومية. والمشكلة برأي الوزيرة تقتصر على فتح سفارات وتبادل سفراء وبعدها تصبح الأمور سالكة في كل الاتجاهات والمعابر وتنتهي الأزمة.

هذه اللوحة السوريالية التي بدأت إدارة جورج بوش برسمها بعد أن اكتشفت أبعاد كارثة صممت على ارتكابها ضاربة بعرض الحائط كل التنبيهات والنصائح التي حذرت من الاحتلال وتقويض الدولة وبعثرة علاقاتها الأهلية. في تلك الفترة رفضت إدارة واشنطن الاستماع إلى أفكار تتعارض مع «أوامر» كان يتلقاها الرئيس من «الأعلى» وأصرت على ارتكاب فعلتها اعتمادا على معلومات خاطئة ونصائح كاذبة جمعتها من مصادر مخابراتية متنوعة الجنسية. وبسبب نزعة التفرد قررت واشنطن خوض غمار تجربة من دون مشورة ظنا منها أن الشعب العراقي بات جاهزا لاستقبال الدبابات الأميركية بالزهور والعطور.

انكشاف الولايات المتحدة ميدانيا دفع الإدارة إلى إعادة النظر في تفكيرها. والإعادة لم تراجع الملف من البداية وتعيد قراءة تداعياته السلبية من زاوية نقدية. فالقراءة بدأت من النهايات التي وصلت إليها الأزمة وأخذت تتطور براغماتيا من دون منهجيه تساعد على هيكلة النموذج البديل وامتداداته الإقليمية.

إصرار الإدارة على النجاح ورفض نظرية الفشل والتأكيد على وجوب تحقيق الانتصار الكامل وعدم تحديد خطة زمنية للخروج ضاعف من أزمة الاحتلال ودفع القوى المحلية والجوارية إلى الانجرار نحو «فوضى» أطلق عليها «عباقرة» البيت الأبيض «البناءة».

بدأت المراجعة إذا من «الفوضى البناءة» ودخلت الإدارة في ضوء تداعياتها الميدانية في سياسة تجريبية تدرجت زمنيا على ثلاثة أضلاع. الأول يوجه الاتهامات لكل دول الجوار محملا إياها مسئولية الفوضى. الثاني يركز اتهاماته على سورية وإيران ويطالبهما بوقف دعمهما لأنشطة المقاومة و«الإرهاب». والثالث يطلق سهامه باتجاه أفغانستان و «القاعدة» و «طالبان» وكل الشبكات الأجنبية التي نقلت أعمالها ومكاتبها إلى بلاد الرافدين.

شكلت الأضلاع الثلاثة ذاك الإطار الذي تحصنت الإدارة الأميركية به وأخذت تعطل إمكانات الانفتاح الجواري على العراق. وجرى في تلك الفترة نسف مقر الأمم المتحدة وقتل العشرات من البعثة الدولية وطرد ما تبقى منها إلى الخارج. بعدها تعرضت البعثات الدبلوماسية والسفارات إلى عمليات خطف واغتيال ونسف وحرق وتدمير الأمر الذي دفع تركيا وباكستان ومصر والأردن وفرنسا إلى إغلاق المكاتب خوفا من إرهاب «النموذج الديمقراطي» الذي أسسته الدبابات الأميركية في العراق.

مكعبات طائفية ومذهبية

الآن بعد «خراب البصرة» تطالب رايس دول الجوار العربية بفتح سفارات وتبادل سفراء في بغداد للحد من نمو نفوذ الوجود الإيراني في العراق. وفي حال ترددت الدول العربية فإنها، برأي رايس، تتحمل مسئولية تفكك العراق واضمحلال هويته العربية. وهذا النوع من العصف السياسي جاء بعد سلسلة تجارب حاولت واشنطن خلالها ابتزاز المنطقة وتهديدها وتخويفها بقصد تكييفها مع استراتيجية تقويضية (فوضوية) غير واضحة المعالم.

رايس تحاول إقناع الدول العربية (المجاورة) الدخول في تشكيلة سوريالية غامضة الهوية وغير واضحة الألوان ولا يعرف كيف ستنتهي إليها تلك الصورة «التكعيبية» التي بدأت واشنطن برسمها للمنطقة بذريعة إعادة هيكلة خريطة «الشرق الأوسط الجديد». فالوزيرة تطالب دول الجوار المشاركة في «الفوضى البناءة» والدخول في سياسة ترسيم الخريطة من دون توضيح معالم صورة تلك اللوحة السوريالية. فهل «الجديد» في الشرق الأوسط سيكون على هيئة مكعبات (إمارات) طوائف ومذاهب تتنازع السلطات المحلية في الأقاليم المسلوخة أو المقتطعة من هذه الدولة أو تلك؟ هل «الجديد» هو إعادة تجميع العراق على صورة «هيكل عضمي» موزع بأسلوب هندسي على القبائل والأقوام في إطار فيدرالي؟ هل «الجديد» تفكيك المنطقة وإعادة تركيبها أقواميا ومذهبيا وطائفيا إذ يرحل الشيعي إلى منطقة الشيعة والسني إلى منطقة السنة والكردي إلى منطقة الأكراد والعربي إلى منطقة العرب ثم يعاد تجميع ما تبقى من الأقليات في مناطق خاصة تتمتع بحكم ذاتي؟

رايس نفسها لا تعرف ولا تمتلك الجواب النهائي ولكنها لا تتردد في تحميل الدول العربية مسئولية الإهمال وتطالبها بالدخول في «الفوضى البناءة» والمشاركة في تصنيع «الشرق الأوسط الجديد».

هذه هي السياسة الفاشلة حين تبلغ طور الوقاحة. فالإدارة الأميركية تتحرك وتتصل وتصرح يوميا وتطلق الاتهامات يسرة ويمنة ثم تطالب القوى التي تتهمها بالتقصير والإهمال وزعزعة الاستقرار بالمساعدة على حل مشكلة اختلقها «تيار المحافظين الجدد» وانسحب إلى الظل قبل دخول المنطقة الشوط الأخير من السباق.

غدا تلتقي «دول الجوار» في الكويت للبحث في خريطة طريق يمكن أن تخفف من الام شعب دفع كل ما يملك من أجل أحلام استمع إليها بالإذاعات والفضائيات وتحولت في اليقظة إلى كوابيس كان من الصعب تصور وقوعها في بلاد الرافدين.

«خريطة الطريق» التي تريد رايس من دول الجوار المساعدة على وضع خطوط طول وعرض لتحديد أطرها وهيكلها لن تختلف في نهاياتها عن تلك «الخرائط» التي وضعتها الإدارة الأميركية على المسار الفلسطيني. فالمشكلة ليست في تصميم الخرائط العراقية والفلسطينية واللبنانية والجوارية وإنما المشكلة تكمن في الطريق. وحين تكون الطرقات مقفلة ومؤطرة ومحكومة بتصورات أميركية غامضة فإن الخرائط لا قيمة لها سوى دفع المنطقة نحو جرعة إضافية من «الفوضى البناءة».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2054 - الأحد 20 أبريل 2008م الموافق 13 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً