نشر موقع سويس إنفو (www.swissinfo.org ) تقريرا كتبه، من القاهرة، همام سرحان، نقل فيه أجواء التوتر التي تسود الساحة الإعلامية من جراء سياسات أقدمت عليها بعض دور الصحف المصرية الكبرى من مستوى جريدة الأهرام اليومية، من أجل تضييق هامش الحريات المتاحة للتعبير عن الرأي من خلالها. وحذر التقرير «من الخطر الذي يتهدّد مستقبل الصحافة المصرية، جرّاء إحجام كبار الكتّـاب والمفكّـرين عن الكتابة بالصحف الحكومية، المسماة بـالصحف القومية، وذلك بسبب الأساليب التي يمارسها معهم رؤساء تحريرها، بدءا من التضييق عليهم، مرورا بالتدخل في مقالاتهم بالحذف أو الإضافة، وانتهاء بإنهاء التعاقد والمنع من الكتابة».
وتضمن التقرير مقابلات أجريت مع عدد من الخبراء الإعلاميين المصريين والعاملين في الميدان الإعلامي من أمثال نائب رئيس تحرير الأهرام (سابقا)، ورئيس تحرير مجلة «وجهات نظر»، وصاحب عمود (من قريب) بجريدة الأهرام سلامة أحمد سلامة، ورئيس تحرير الأهرام (الحالي) أسامة سرايا، عضو مجلس نقابة الصحفيين والكاتب الصحفي جمال فهمي، وآخرين غيرهم والكاتب الصحفي ممدوح الولي، نائب رئيس القسم الاقتصادي بجريدة الأهرام، والباحث الإعلامي المدَرِّس المُساعد بكلية الإعلام بجامعة القاهرة محمد الباز، الذين أجمعوا على إقدام بعض المؤسسات الصحفية الرسمية مثل الأهرام على «تقليص أعداد الكتّـاب من ذوي الاتِّـجاهات المعارضة، معتبِرين أن مثل هذا الاتجاه يقضي على الخصيصة التي تميّـزت بها الأهرام على مرّ العصور، والتي جعلت منها ساحة رحبة وملتقى خصبا ومتنفسا لتبادل وجهات النظر، بين كل الأطياف الفكرية والسياسية بمصر».
في البدء لابد من الإشارة من أن هذه ليست المرة الأولى التي يتصدى فيها إعلاميون مصريون لحملة اضطهاد علنية أومتسترة في بلادهم، ففي سبتمبر/أيلول 2008، أعلن إعلاميون مصريون عن خوفهم من ردة تشهدها مصر وتستهدف «هامش الحريات العامة وحقوق الإنسان، ومحاولة جديدة لإلهاء المواطن عن قضايا كبيرة».
جاء ذلك في أعقاب إحالة رئيس تحرير يومية «الدستور» الخاصة إبراهيم عيسى، إلى محكمة جنح أمن الدولة العليا بتهمة «إذاعة ونشر شائعات كاذبة من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، وتكدير السلم العام».
وكانت محكمة جنح العجوزة في مصر قد أصدرت يوم 13 سبتمبر 2007 أحكاما بالحبس سنة مع الشغل وبالغرامة 20 ألف جنيه على رئيس تحرير «الدستور» إبراهيم عيسى رئيس تحرير «الفجر» وعادل حمودة، ورئيس تحرير «صوت الأمة» وائل الإبراشي، ورئيس التحرير السابق لصحيفة «الكرامة» عبد الحليم قنديل بتهمة سب وقذف رموز الحزب الوطني الحاكم وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية حسني مبارك ونجله جمال ورئيس الوزراء أحمد نظيف.
كما وأنه ليست مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تلجأ إلى مثل هذه الأساليب غير الحضارية للجم اندفاع المؤسسات الإعلامية العربية، من صحف ودوريات وقنوات فضائية، أو تكميم أفواه العاملين فيها، بالإغراء حينا وبالإرهاب أحيانا أكثر. وغالبا ما يكون التبرير الذي يستخدمه هذا النظام العربي أو ذاك هو «أن هذه الانتقادات من شأنها تعكير صفو الأمن، ومن ثم نشر حالات الرعب وعدم الاستقرار، الأمر الذي من شأنه وقف عجلة التطور الاقتصادي، وحرمان البلد المعني، من فرص استثمارات محتملة من قبل الرساميل المحلية التي -حسب ذلك المنطق- ستهرب إلى الخارج، أو الخارجية التي ستتردد في الدخول إلى تلك الأسواق».
هذا المنطق الأعوج آن له أن يستقيم، فأكثر الاقتصادات نموا وعافية هو ذلك الاقتصاد الذي يتمتع مواطنوه بأوسع هامش من الحرية. والأمثلة على ذلك كثيرة ودامغة. لن نلجأ إلى المقارنة بين أوضاع روسيا السوفياتية وروسيا الحالية، او الصين الشعبية في فترة ما قبل الانفتاح أو الصين الشعبية اليوم، خشية أن يقودنا ذلك إلى متاهات ليس هنا مجالها.
يمكننا الاستشهاد بواقعنا البحريني المعاصر، فعلى امتداد الأربعين سنة الممتدة من ستينيات القرن الماضي حتى نهايته، فقدت البحرين ريادتها كأفضل سوق خليجية مهيأة للاستثمار من قبل الرأسمال الداخلي الذي هرب نحو الخارج، والخارجي الذي بحث عن أسواق أكثر حرية مثل دبي.
تراجعت مغريات البحرين الداخلية الاستثمارية، من توفر يد عاملة محلية ماهرة، وموارد بشرية محلية على درجة عالية من المهنية في قطاعات رائدة مثل النفط والمال والصناعة، وقرب من أسواق خليجية ضخمة مثل السوق السعودي، وبنية اتصالات تحتية تتفوق خدماتها على ما هو متوفر حولها. فقدت كل ذلك لإمارة قريبة هي دبي.
والعكس كان صحيحا، فمع الانفتاح السياسي الذي هبت رياحه على البحرين في مطلع هذا القرن، شهدنا تدفق الرساميل الأجنبية، حاملة معها تأسيس الكثير من المؤسسات المالية الناجحة إقليمية كانت أم عالمية. ولم تثن بعض المناقصات الهامشية التي تولدت مع موجة الحريات تلك، وهو امر طبيعي ومتوقع، الرساميل والاستثمارات العالمية من التدفق على السوق البحرينية.
واليوم، ونحن نعبر مرحلة «المراهقة السياسية» - إن جاز لنا الوصف - نحو مرحلة النضج السياسي، علينا أن نبحث عن الصيغة السليمة البناءة بين التمتع بالحريات التي يبيحها لنا الدستور، وتوسع من آفاقها قبة البرلمان، وبين جذب المزيد من الأموال والاستثمارات كي نؤكد الحقيقة أن الاقتصاد الناجح تنعشه وتنمي قدراته رياح الحرية المسئولة
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2295 - الأربعاء 17 ديسمبر 2008م الموافق 18 ذي الحجة 1429هـ