الفكرة المبدعة تحتاج إلى قرار جريء يمررها، وإلى عناصر قادرة على العطاء لتنفذها. وكم أعجبني أن أرى مجموعة من النسوة اللواتي نذرن أنفسهن للقيام بمهمات ومسئوليات وطنية لم يسبقهن إليها أحد. وهي عملية تنظيف الأحياء السكنية، إذ اعتاد الناس في البحرين أن تكون الحكومة هي شماعة الأخطاء في كل الحالات، بل حتى لو أن أحدهم رمى بالقاذورات في مكان غير مخصص لها وأوضحت له أن ذلك مخالف للقانون قال: إن الحكومة ضاغطة علينا في الرواتب والرسوم، والبلدية مسئولة عن تنظيف المكان، مع أن شركة النظافة هي المسئولة عن ذلك!
وعودا على بدء، فإن الفكرة المبدعة التي نفذتها النسوة اللواتي قدمن مثلا للأسر الصديقة للبيئة - إن صح التعبير - بل والصديقة للمجتمع تنبئ عن أنهن قد تجاوزن أمر البيئة ودخلن على خط التربية السليمة للفرد في المجتمع، وتحديدا أبناءنا الصغار.
ومما تجدر الإشادة به في هذا المقام، التفات القطاع الخاص لضرورة تحمل المسئولية الاجتماعية ورعاية مثل تلك الأنشطة والفعاليات المحلية التي تقيمها مؤسسات الدولة أو الجماعات الأهلية في المناطق المختلفة. وعلى ذلك كانت مشاركة إحدى شركات الطيران وتقديمها عدد 10 تذاكر سفر للمشاركين، هذه الخطوة المباركة تؤكد أن القطاع الخاص بدأ يتحسس دوره في المسئولية الاجتماعية التي يجب أن يقوم بها في البحرين.
ليس عيبا أن ينظم الأهالي أنفسهم من أجل منطقتهم ومكان سكنهم، بل إن ذلك يمثل قمة التعاون والتراحم والتكافل والعمل الاجتماعي التطوعي الخلاق. وقد جاءت أهداف تنظيم حملة النظافة بحي سرايا - 1 على النحو الآتي: أن ينعم الأهالي ببيئة صحية، تعويد الناشئة على الاهتمام بنظافة المنطقة وعدم العبث بالممتلكات العامة... وجميعها أهداف سامية علينا تربية أبنائنا عليها.
هذه القيم الغائبة عن المجتمعات العربية، ودول العالم الثالث، هي قيم أساسية في الدول المتقدمة، ولعل مما يؤلم أن لدينا جميع مقومات النظافة، سواء الخارجية أو الداخلية، في الدين أو الأخلاق والعادات والتقاليد، ولكننا هجرناها وتمسكنا بمظاهر التدين وقشور العادات والتقاليد، وتخلينا عن الأخلاق الحميدة.
إن خطباء المساجد، وهم سلاح فعال في المجتمع، مقصرون في جانب تقويم هذه السلوكات المنحرفة، في حين أن المسئولية الدينية تفرض عليهم القيام بواجب توعية وتثقيف الناس بشأن هذه القيم النبيلة التي لا يختلف عليها اثنان ولا يتناطح فيها عنزان.
ختاما، لا يشكر الله من لا يشكر الناس، فشكرا أيتها المبدعات والمنفذات لهذا العمل الجبار، شكرا فهيمة المهزع ونعيمة الخاجة ودلال أمين وإلهام رجائي. وإلى الأمام دائما أيتها المبدعات وصاحبات الإرادة الجبارة. ولعل نساء أخريات يقتدين بمثل ما نفذتموه من فكرة مبدعة وعمل خلاق، والشكر موصول إلى شركة الطيران التي قدمت رعاية لهذا النشاط الاجتماعي الفاعل. وهذه الرعاية جزء من المسئولية الاجتماعية التي يجب أن تحذو بقية الشركات العاملة في البحرين حذوها.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 2053 - السبت 19 أبريل 2008م الموافق 12 ربيع الثاني 1429هـ