من المفارقات التي عشناها الأسبوع الماضي، انه بينما تم إعلان الحرب على المنتديات الطائفية، يفتح التلفزيون ذراعيه لبعض البرامج التي لا تقل سطحية ولا مسئولية عمّا تتداوله تلك المنتديات.
إن من أهم التحديات لوزير الإعلام الجديد جهاد بوكمال إيجاد حلٍّ لهذا التناقض. فلا يجوز محاربة المنتديات الطائفية، بينما تُذاع برامج على الهواء تثير الحزازات الطائفية، ويتم التطاول على مذاهب الناس وتشبيههم بالصهاينة، وتوزيع الاتهامات الرخيصة على المواطنين في انتمائهم ووطنيتهم وكرامتهم... فما الفرق إذا بين التلفزيون الوطني وأي منتدى طائفي مثير للأحقاد؟
ومن الطبيعي أن يروّج أصحاب هذه البرامج لبرامجهم، تماما كما تفعل أم العروس لابنتها التي لا تدانيها أية ملكة جمال، ولكنها «خدعة الصبي عند الفطام» كما يقولون. وعلى الوزير أن يتحمّل مسئوليته في إبعاد جهاز التلفزيون عن الانجرار إلى هذا المنزلق الفئوي، بحجة حرية التعبير التي لا يغطي سوأتها أي مكياج مموّه.
التلفزيون لم يكن يوما متوازنا في طرحه، فهو تلفزيون رسمي كان ولايزال، كأي تلفزيون آخر في العالم الثالث. وليس هناك من يُمَنّي نفسه بأن تتغيّر هذه المعادلة باتجاه الاستقلالية والتوازن المهني أو التعبير عن عموم الطيف البحريني. ولكن في المقابل، ليس من المقبول أن ينزلق هذا الجهاز «السيادي» إلى لعبة التجاذبات الطائفية، فيصبح طرفا في هذا الصراع الأعمى، بل تسويق الأصوات النكدية المعروفة برغبتها العارمة في بثّ الشقاق والفرقة بين المواطنين.
إنها أضحوكةٌ أن تأتي بأحد المتطرفين الآيدلوجيين ليقذف حممه على مناوئيه مستغلا التلفزيون، ويصف إحدى فئات الشعب بالصهاينة، حتى لو كانت تمثل 5 في المئة فقط من السكان، ثم تقول إنها حرية تعبير. هذه مهزلة، وسابقةٌ غير مقبولة على الإطلاق، وعلى الوزير أن ينأى بهذا الجهاز الوطني عن أية مهاترات تساهم في زيادة الشقاق.
ثم إن هناك حدودا دنيا من الأدب والكياسة، النزول عنها يعتبر وقاحة وسوء أدب، وخصوصا إذا كان المتحدّث الذي يدافع عنه بعض محازبيه، «صاحب سوابق» في السرقات الأدبية والمهاترات الطائفية، والكذب على المجتمع والتحريض ضد مؤسساته المدنية وجمعياته الحقوقية والسياسية (شلخة تخزين الأسلحة مثلا).
إن من المعيب أن تجرنا المناكفات السياسية الصغيرة إلى تحويل التلفزيون إلى منبر لتصفية الحسابات ضد المناوئين، ولا تنسوا أن التلفزيون هو واجهة البلد، فلا تنقلوا عبر هذه الواجهة صورة غير حضارية عن هذا الشعب، باستضافة أشخاص غير مؤهلين أصلا للتعبير عن واقع الحراك السياسي، ولا يمتلكون أدنى شعورٍ بالمسئولية تجاه الوضع، فتراهم في كل محفلٍ يدفعون باتجاه مزيد من الاحتقان.
إن تبني الطروحات «النكدية» في التلفزيون والترويج لها بهذه الصورة الكاريكاتيرية يدلّ على إفلاس، فضلا عمّا يولّده من ردود فعل سلبية تعمّق الفجوة والشعور بالغربة وابتعاد المواطن أكثر وأكثر عن التلفزيون بعد هذا الإسفاف، وهو أمرٌ يعرفه بلاشك الوزير الفاضل جهاد بوكمال.
لابد من وقفةٍ وطنيةٍ مسئولةٍ تجاه هذه القضية، فليس هناك مواطنٌ من أية طائفةٍ أو قبيلةٍ أو عائلةٍ أو تيارٍ سياسي... يقبل أن يوصَف بالصهيوني. فللوقاحة حدود. وللناس كراماتٌ يجب أن تُحفظ. ومِن الناس جنسٌ متغطرسٌ لا يلقمه إلاّ الحجر.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2053 - السبت 19 أبريل 2008م الموافق 12 ربيع الثاني 1429هـ