منح اللقاء الذي عقدته صحيفة «الوسط» مساء يوم الأربعاء 16 أبريل/ نيسان الجاري لتكريم الباحث والمؤرّخ البحريني المخضرم سالم النويدري بعدا مهمّا على صعيد الدعوة إلى حفظ تاريخ مملكة البحرين باعتباره ركنا حيويا من أركان حضارة البلد، ولعلّ هذا ما أجمع عليه الباحثون والمهتمون في التراث والتاريخ ممَنْ حضروا اللقاء؛ ليعبّروا من جهة عن الأسف الشديد لمحاولات طمْس هذا التاريخ وتشويهه من جهة، وليجددوا - من جهة أخرى - التأكيد على الحاجة لمواصلة العمل الأكاديمي والثقافي والمؤسسي لتوثيق تاريخ البحرين من خلال جمعه وتحقيقه ونشْره ضمن رؤية وطنية خالصة تخرج عن حدود الطائفية والتشكيك وقلب الحقائق؛ لتصب في هدف واحد وهو: حضارة (بحرينية) ضاربة في التاريخ. وبدوره، دعا المحتفى به، النويدري، إلى ترسيخ ثقافة مؤسسية مدفوعة بمبادرة تمنّاها من المؤسسات البحرينية المالية والثقافية لجمْع التراث ونشْره.
وفي بداية اللقاء، رحّب عريف الحفل الزميل عادل مرزوق بحضور لقاء تكريم النويدري، واصفا الرهان الذي خاضه المحتفى به كان رهانا صعبا للبحث في أوراق التاريخ واستخلاصه، والأهم من ذلك هو حفظ الأمس الذي يعرفه سالم النويدري أكثر من غيره من أنْ يضيع أو يُعبث به اليوم أو الغد، فكانت المراهنات عديدة، لكنها كانت تصطدم بضعف الإمكانات من جهة والتهميش من جهة أخرى، فقد تميّز سالم النويدري بالحضور، إلاّ أنّ هذ الرجل لم يتراجع عن مشروعه الإبداعي والتأريخي بل استمر فيه واستطاع أنْ ينتج الكثير واستطاع أنْ يهدي البحرين والبحرينيين لقطات وسير من حياتهم كان من المؤكّد أنها ستندثر اليوم أو غدا.
وقال :»إهمال المبدعين عادة، وفي حالة من هم مثل النويدري، فالإهمال هنا يصبح أكثر من عادة بل هو متعمّد ومقصود، ومن هنا جاء هذا اللقاء لتكريم هذه الشخصية التي تستحق من «الوسط» ومن البحرينيين.. الكثير».
نجوم لا تراها الأعين
وفي كلمته الترحيبية، وقف رئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري أمام «عطاء وطني خالص» خطته أنامل النويدري قائلا :» لعلي في حضرة الأستاذ سالم النويدري، أعجز عن إيجاد بعض من العبارات والكلمات لوصف العطاء الذي قدّمه خلال تاريخه الحافل في العقود الماضية للبحرين، فهو كموجّه تربوي وكشخصية لها دورها في الإصلاح الاجتماعي والسياسي كان له دوره الكبير الذي برز في كتابة التاريخ وتوثيقه وأيضا تقديمه على مستوى علمي وأكاديمي».
ولفت إلى أنّ ما تفتقده المكتبة البحرينية هي تلك الكتابات الموثقة أكاديميا ذات المراجع الحقيقية التي تخبرنا عن الماضي الذي كدنا نفقده لولا وجود هذه الشخصيات التي أصبحت نادرة جدا، ولا يُوجد اليوم مَنْ يتداول المعلومة بالسهولة؛ لأنّ المعلومة التي توفر لها الدول كل إمكاناتها من أجل أنْ تتطوّر وتصل إلى الجميع يحدث لها العكس في بلادنا! فتذهب الأموال الى أشخاص ليس لهم علاقة بالبحرين ولو حفروا شبرا واحدا لوجدوا أنّ الأرض سترفضهم، ولو حفرت لآلاف السنين، لوجدت عائلة النويدري محفورة في هذه الأرض، وهو بذلك خير متحدّث باسم تاريخ البحرين للبحرينيين.. حاضرهم ومستقبلهم، لكننا نشارك (ربما) في طمْس هذه الشخصيات الذين هم كالنجوم بيننا لكن الأعين لا تراهم.
وزاد قوله :»أجد نفسي حين اتصل بالأستاذ سالم أمام بحرعميق لا يتسم بالأكاديمية فحسب، بل يتسم بالعشق لهذا البلد،(عشق بلدك أصبح جريمة حيث يجب أنْ تتنكر لهذا البلد وتحرّف تاريخ هذا البلد لكي تعترف بك بعض المؤسسات التي تمتلك هذه الإمكانات)! إنها جريمة أنْ يكون بين ظهرانينا من العلماء ممَنْ افنوا حياتهم في تقديم شيء لبلادهم وهم مهملون.. نحن مع ابن بار من أبناء البحرين، ونحن في أعمارنا الآنَ ربما تلاميذ للأستاذ سالم؛ لأنه سبقنا بكثير في خدمة البلاد ونتمنى أن نكون طلابا مُخلصين نعترف بقدره».
كما أرض البحرين... طيبة
وشتان بين مَنْ يكتب ليمزّق البلد، وآخر يكتب لأجل سمو البلد، ففي كلمة الوفاق التي ألقاها ممثل الكتلة في المجلس النيابي عبدالجليل خليل، تعبير في لحظة من اللحظات التي يجب أنْ تقال منذ أمد لهذا الرجل، فهناك كتّاب اذا كتبوا لا يكتبون إلا ما يمزّق هذا الوطن، وإذا تحدّثوا في الصحافة او التلفاز لا تسمع منهم إلا سموما تفرّق هذ الوطن،لكن هناك رجال قلمهم يبحث ويؤرّخ حضارة هذا البلد، وهناك شخصيات متميّزة تحمل روحا صافية ليس فيها الحقد والطائفية وليس فيها ما يحمل على الآخرين سواء من الخط نفسه أو من غيره حيث يحملون روحا طيبة، كما هي أرض البحرين طيبة وتحتضن الجميع.
لكن خليل لم يكتف بالتعبير عن دور النويدري في البحث فحسب، بل تطرّق الى صفات شخصية يقتدى بها فقال :»»أنا معجب بسالم النويدري.. تجد النفس الطويل، والروح الهادئة، وسعة الصدر، التي تسمع الرأي والرأي الآخر، ويتمتع بحالة من الاستمرار والإبداع والتميّز وعندما تقرأ سيرته الذاتية، يزرع في نفسك حالة من الطموح والاستمرار رغم كلّ العقبات الرسمية وغير الرسمية، وبرغم حالة الإهمال من الدولة ومن الناس فقد حمل هذه الروح من الثمانينيات، ولكن الرجل ما زال يحمل قلما معطاء يُسافر ويدرس، ويعطيك طموحا أكبر لهذه الدراسة»، منوها الى أنّ لفتة «الوسط» متميّزة وطيبة كما عوّدتنا لتسليط الأضواء على شخصيات يحاول البعض طمْسها، وعوّدتنا على الكثير من التحديات والنفس المعارض لمَنْ يريد أنْ يطمْس تاريخ هذا البلد، فالذي لا يملك تاريخا لا يملك حاضرا ولا مستقبلا.
ووجّه شكره الى صحيفة «الوسط» معبّرا عن التقصير في دعم ومساندة الباحث بوجود عقبات من بعض ضيّقي النفوس في البلد أو من الدولة التي أعاقت هذه المشروعات، وحينما نقرأ السيرة الذاتية وبعض مؤلّفات النويدري نجد نفسا طويلا لمواصلة الدرب رغم الصعوبات؛ لأنّ هناك الكثير من الناس من الرسميين وغير الرسميين ممَنْ يحاول إحباط المبدعين، ويحاول أنْ يوقف عطاءهم من أجل أنْ يحد من خلق وتربية أجيال تطمح للمستقبل.
السير في طريق الصعاب
وبعد تقديم الزميل عادل مرزوق لمحة من السيرة الذاتية والنتاج العلمي للباحث، تحدّث النويدري قائلا :» في البداية، لا يسعني إلا أنْ أشكر صحيفة «الوسط» وجميع القائمين عليها، وخصوصا رئيس تحريرها الأخ العزيز منصور الجمري وجميع الأخوة بالصحيفة على هذه المبادرة الطيبة التي سبقتها مبادرات لتكريم بعض الشخصيات، وإني إذ استمع إلى الإخوة الأفاضل الذين ربما أرى أنهم اطنبوا في بعض الأمور في تقديمي، قد يكون بعضها يمسّني شخصيا، لكنني أتخيّل في بعضها الآخر وكأنّهم يتحدّثون عن شخص غيري! لأنني ما قدّمت إلاّ محاولة لتوثيق التراث الثقافي لهذه المنطقة منذ صدر الإسلام حتى العصر الحديث، وتحديدا القرن الرابع عشر، وهذه المحاولة اعتورتها الكثيرُ من المصاعب لا مجال هنا لذكرها ولكن الإرادة من ناحية أنْ يكتمل هذا المشروع وتوفيق الله بالدرجة الأولى ودعم الإخوة الأفاضل الذين كان لهم المدد المعنوي الكثير، ساهم في إنجاز العمل.
وسؤال سأله الأخ عادل مرزوق عن «الصبر» لإنتاج مثل هذا العمل الذي ربما يراه البعض عملا كبيرا بالنسبة إلى شخص واحد؛ لأنّ مثل هذه الأعمال ربما تكون ناقصة وفيها الشيء الكثير من البتر والاضطراب إذا كان يتبناه شخص واحد، أقول، ومع الأسف الشديد، نحن ما زلنا نفتقر للثقافة المؤسسية؛ لأنّ مثل هذا النوع من التوثيق بحاجة الى مؤسسة متكاملة تقوم بالمهمّة وتوزّع الأدوار فيها؛ ليكون المنتج منتجا - لا أقول كاملا - لكنه قد يقترب من الكمال، وقصة هذا الكتاب (أعلام الثقافة الإسلامية) هي قصة يسيرة جدا حيث كنتُ مع بعض الإخوة الأفاضل وهو الدكتور حسين يحيى في مدرسة من المدارس الثانوية حيث كنا نعمل معا، وطرحنا فكرة تأليف كتاب موثق في تأريخ الثقافة في البحرين، وفعلا كانت هناك مبادرات من أجل أنْ نحصل على دعم جهة رسمية ما، لكن شاءت الظروف الى أنْ ارتحل لإكمال الدراسة العليا في القاهرة، ثم بعد ذلك تنقلب الأمور في البلاد رأسا على عقب يعرفها البعض والبعض لا يعرفها، فشددتُ راحلتي الى سورية وهناك كانت الأمور متاحة؛ لأنْ أبدأ هذا المشوار من جديد واستطعت أن التقط انفاسي وأبدأ من الصفر ووفق منهجية أخرى غير المنهجية التي اتفقنا على تنفيذها سابقا ،وتوكلت على الله سبحانه وتعالى وبدأتُ بخطوات رغم اشتغالي بالتدريس في الحوزة العلمية في دمشق، وكلما اتذكر تلك العقبات أحمد الله سبحانه وتعالى أن ذللها فله الشكر أوّلا وأخيرا، وأنا هنا لم أبدأ الحديث لكي أطنب، ويكفي أنّ إخواني الأفاضل أسهبوا كثيرا في وصف شخص لا يرى من نفسه إلا أنه جندي في هذا الخضم الكبير من أبناء مجتمعه الذين يأملون في أنْ يروا أمتهم لا تقتبس من تراثها بالمعنى المتصوّر، ولكن يمكن أنْ تتمثل هذا التراث، وتمثل هذا التراث يعني أننا نخضعه لعملية تقويم، ولا يمكن إخضاع أيّ تراث للتقويم إلا أنْ يقدّم أولا تقديما حياديا؛ لأنه بذلك يكون مجالا؛ لأنْ يدرس دراسة علمية متأنية.
وواصل الحديث ليقول :»نحن، ونحن ننظر إلى تراثنا، نرى فيه الكثير من المشكلات سواء على المستوى الموضوعي أو على المستوى المنهجي، لكن بإخضاعه للدرس يمكن أنْ نستفيد منه ونفيد ولا غرابة أنْ نكتشف نقاطا أو ثغرات تعتور هذا التراث، وأيضا نكتشف مكامن القوّة فيه، وبالتالي يمكن أنْ يصلح لأن يكون عِبْرة نعتبر بها حقا ويمكن أنْ نتمثل ما يتمثل منه ونترك ما ينبغي أنْ يُترك».
مداخلات وأفكار وأمنيات
بعد حديث المُحتفَى به، جاءت المداخلات؛ لتحمل أفكارا وأمنيات، فرئيس التحرير الجمري حاول قراءة صورة ذهبية في تاريخ البحرين مثلها في ذلك الشيخ ميثم البحراني والعلامة الشيخ حسن الدمستاني كانت تعطي وصفا للحركة العلمية في البحرين قبل سبعمئة سنة وتطرق اجواءها، لكن هل يمكن اعتبار تلك الصورة متناقضة مع ما طرحها مثلا الشيخ حسين بن عبدالصمد البهائي في وصف ذلك الجو ببيت شعر شهير يقول:
أناس في أوال قد تصدّوا
لمحو العلم وانشغلوا بلم لم
وأجاب النويدري قائلا: لم يكن هناك أيّ تناقض، فالشيخ ميثم أبحاثه المختلفة سواء العقدية والأبحاث الفلسفية والفقهية تمتاز بالموضوعية والتجرّد، فحينما نقرأ مقطعا من نهْج البلاغة نعجب كيف نعيش في هذا العصر ولا يُوجد مَنْ يتجرّد مثل الشيخ ميثم الذي عاش في القرن السادس الهجري؟! فعملية التجرّد من المنطلقات والمسبقات الفكرية استطاع الشيخ ميثم أن يتمثلها تماما.. فحين نرى آراء من يرد عليهم، نجده يعرضها عرضا دقيقا جدا ولو بترتَ الرد لتصوّرت أنّ الشيخ ميثم يقدّم آراءه تماما؛ لأنه يعرضها بأمانة.
أمّا النموذج الآخر، وهو ما قيل الشيخ البهائي أو والده الشيخ حسين بن عبدالصمد المدفون في مقبرة أبي عنبرة (مقبرة الشيخ راشد)، وقبره ما زال موجودا.. تلك المقولة كان لها قصة، فالشيخ البهائي كان يمثل قمّة الهرم الاجتماعي والديني والسياسي في عصر الدولة الصفوية، فترك كلّ ذلك وجاء الى بلد لا يناسب ما كان يقيم فيه في تلك البلاد، وهو العيلم والإنسان الذي يخضع له الكثير من العلماء، وجاء الى البحرين في ظروف ما، وكان يحضر بعض محافل العلماء ومنها مدرسة الشيخ داوود الموجودة الآنَ في جد حفص وقبره موجود أيضا ويسمّى الشيخ داوود ابن أبي شافيز، وكان مُولعا بالجدل والمناظرة، وكان ضليعا، فكان يُحاور كثيرا الشيخ حسين عبدالصمد والد الشيخ البهائي محاورات علمية تتسم دائما بطلب العلّة أو السبب فكان دائما السؤال بعد أن تطرح القضية: لِمَ حصل كذا ولِمَ صار كذا ولِمَ النتيجة جاءت هكذا؟ وهذا كان المنهْج في مدرسة الشيخ داوود، لكن لا ندري كيف أنّ الشيخ حسين بن عبدالصمد وهو الرجل العالم الكبير تبرّم من هذا الأسلوب وكان الأولى به أنْ ينفتح صدره للحوار والمناقشة وللجدل وهو بين علماء كأمثال الشيخ داوود والشيخ محمد حسين الغريفي الذين كانوا يمثلون قمما - ليس على مستوى البحرين فحسب بل على المستوى الأمّة في ذلك الوقت - وربما لظروف نفسية للشيخ البهائي نتيجة هذه النقلة المفاجئة من منصب عال وهو قاضي القضاة الذي يخضع حتى كبار القوم لسطوته، واذا يجد نفسه في مجتمع أهله يتسمون بالعلم وكذلك يتسمون بالتواضع حتى أنّ بعض علمائهم لا يميزون عن العامّة.. خذ مثلا العلامة الشيخ حسن الدمستاني حينما جاءه وفدٌ من أصفهان وجدوه يعمل في الزراعة وعندما طلبوا أنْ يدلّهم على الشيخ الدمستاني قال: أنا فسخروا منه. في هذا الجو، قال الشيخ البهائي بيتي الشعر:
أناس في أوال قد تصدّوا
لمحو العلم وانشغلوا بلم لم
اِذا جادلتهم لم تلق فيهم
سوى حرفين: لَم؟ لَم؟ لانَسلم
لا نقول أنّ ذلك يمثل ظاهرة غير صحيحة وإنما هي تقدم العلماء من أمثال الشيخ ميثم وهم يتسمون بالانفتاح على الآخرين وما عندهم من محاورات و مجادلة علمية بعيدة عن الأحكام المسبقة التي اعتاد عليها الكثير من الناس.
أما المهتم بالتراث أحمد مرزوق فقدّم مداخلة قال فيها :»أحب أنْ اذكركم بقصة الشيخ حسن البلادي البحراني حينما جاء رجلٌ يسأل في مسألة بسوق الخميس فأحاله عالم آخر، والآخر أحاله الى آخر، فأعاده الأخير الى الشيخ حسن البلادي وهذا يدل على كثرة العلماء.
كنا بصدد عمل تاريخي يمس البحرين التي كانت تزخر بعدد كبير من العلماء - ليس في العلوم الشرعية فحسب - بل في الفلسفة والفلك وآثارهم متفرقة في إيران وتركيا ومكّة المكرمة.. إنّ ما يقوم به الباحث والمؤرّخ سالم النويدري عمل كبير ولكن يحتاج إلى مؤسسة تجمع هذا التراث لأنّ هذا التراث يُواجه الضياع ويقصد بأنْ يمحى هذا التراث، فلابدّ من المؤسسات البحرينية التي بيدها الأموال وأصحاب الاقتصاد أن يأخذوا المبادرة لجمع التراث ونشره.
النويدري: أودّ أن أشير الى أنّ الباحث عبدالقادر حسين، وهو أحد أساتذة الدراسات الأدبية واللغوية في الأزهر الشريف، وجد أثناء تدريسه في المدينة المنورة كتابا حققه تحت عنوان «أصول البلاغة»، وقال إن هذا الكتاب لا يعرفه أهل البحرين! وقال :» سألتُ أهل البحرين عن هذا الكتاب فلم يعرفوه»، لكنني أقول، إنّ ذلك كان وهما من الباحث، فهذا الكتاب هو من كتب «المقدّمات»،لأنّ نهْج شرح البلاغة كبير جدا وله مقدّمات منها كرّاس بعنوان «تجريد البلاغة»، وهذا الكتاب، كما ذكر الشيخ الطهراني في الذريعة، له أيضا «أصول البلاغة» وكأن لهما اسمين، لكن «تجريد البلاغة» هو الاسم الأصلي لهذا الكرّاس ويسمّى أيضا «اصول البلاغة».. لهذا توهّم الباحث أنّ أهل البحرين لا يعرفونه! فهم يعرفونه باسم تجريد البلاغة.
امّا المبادرة لجمْع التراث فهذه دعوة كريمة جدا وتدل على غيرة على تراث هذا البلد الذي كاد أنْ يضيع لعاملين أساسيين الأوّل: هو محاولات قد تكون غير ناضجة ومبتسرة تتوغل بلا خلفية علمية وأكاديمية تؤهل لخوض هذا المعترك وقد يظن أنّ هذا مركبا سهْلا يستطيع أيّ إنسان أن يركبه، فالخوض في هذا البحر ريما يؤدّي الى نتائج وخيمة بحيث يقدّم بشكل مشوّه، أمّا الأمر الثاني: فهناك نقاط حمراء تتعلّق بنشر جوانب كثيرة من تراثنا لأسباب كثيرة قد يكون الجانب السياسي جزءا منها وليس هو كل الأسباب، فلذلك، عملية تدوين هذا التراث وجمعه والتعامل معه تعامل منهجي وتقديمه الى الأجيال بحاجة إلى مؤسسة، ولابدّ أنْ تكون بدرجة من القوّة سواء كانت مؤسسة رسمية (نتمنى أنْ تضم مَنْ يحمل الهم الوطني إنْ لم يضرب على أيديهم) بمشاركة المؤسسات الأهلية التي بإمكانها أنْ تدعم وإن كنت شخصيا استطعتُ أنْ اكتشف أن العمل الفردي في مجتمعنا هذا ربما ينتج ما لا تنتجه المؤسسة؛ لأنّ المؤسسة بواقعها وبوضعها الراهن أو بالثقافة التي تتحرك ضمنها بعض العناصر في بعض المؤسسات، نتيجتها أن يُلقى العبء على فرد واحد أو اثنين من مجموع وبالتالي كأنّه عمل فردي، ولابدّ أن تشيع ثقافة العمل المؤسسي بشكل صحيح وإلا يصبح اسمها مؤسسة وظاهرها مؤسسي لكنها تنتج عملا فرديا.
مشروع «ذاكرة النخيل»
الباحث حسين يحي تحدّث قائلا: إن هذا اللقاء يعد لفتة حضارية من جانب صحيفة الوسط؛ لأنّ النويدري يستحق ذلك، فعلى مدى ثلاثين عاما خلت، حمل الباحث هم تأريخ البحرين، و من محاسن الصدف أنني وجدْتُ قبل فترة بين أوراقي مشروعا قديما مؤصّلا تراب هذه الأرض وممتدا لجذوع النخل والسماء، و سأعمل الآنَ على دراسة موثقة حول بعض الأشخاص ممن يحملون ذاكرة النخلة التي تمثل الإنسان بصبره وسامق طموحه، ولعلّ هذا اللقاء فرصة للتباحث مع الباحث النويدري لإنجاز هذا المشروع الثقافي.
النويدري: أمّا المشروع الذي أشار إليه الأخ حسين يحيى فهو موضوع من عمق تراثنا الشعبي المتعلّق بالنخلة ونرجو أن يرى النور بتكاتف وتآزر كلّ المخلصين المعنيين بهذا التراث.
موسوعة تاريخ البحرين
تساءل النائب عبدالجليل خليل عن سبب إيقاف موسوعة تاريخ البحرين لدى بعض مَنْ لهم علاقة، ولم يحصل على جواب، وقال موجها حديثا للنويدري :«ما هي أسباب إيقاف الموسوعة؟».
النويدري: بكلمة مختصرة أقول إنّ الأخ الكريم سأل أناسا ذوي علاقة ولم يعثر على جواب، وأنا أيضا أقول له ما المسئول بأعلم من السائل! كنّا نعمل من فترة نيّفت على العامين، وجاء قرار بتجميد العمل ثم بالإيقاف.. أمّا لماذا؟ فلم يصلنا أيّ تقرير أو ملاحظات لكي نعرف أين هي خطواتنا؟ شاركنا على أساس أنّ هذا العمل وطني وكانت الجهة الرسمية هي التي تبنت المشروع في ظرف انفتاح سياسي وثقافي مفترض، وكنّا نعمل أساسا على أنْ يكون العمل عملا وطنيا علميا فلا هو منشورات مُعارضة تدس في هذه الموسوعة باللغة المتشنجة المعهودة والمعروفة ولا هي كراريس إعلامية كما هي في وسائل الإعلام وحتى في بعض صحافتنا المحسوبة على التيار الوطني، نحن نريد أنْ يكون هناك عمل علمي حقيقي ينتج منتجا ثقافيا يمكن أنْ يعتمد عليه، وهذا الشيء الذي كنّا نطمح إليه وعلى أساسه عشنا مع مدير المكتبات العامّة منصور سرحان هذا الهم وقلتُ بشكل مباشر أنه ولحد الآنَ وحتى الغد لا أعلم أسباب إيقاف هذه الموسوعة مع أنه كان عملا وطنيا بحتا، وكانت اللجنة المشرفة عبارة عن الطيف الوطني بشكل عام في هذه البلاد، والمفروض أنْ يكون عملا مشتركا، وبالتالي لابدّ أن يتجرّد من هذه القضايا التي تحسب عليه اذا كان هناك تصوّر طائفي ولكن ربما هناك أمور لا نعلمها وربما قد يعلمها غيرنا.
بحث حول علماء البحرين
مدير المكتبات العامّة منصور سرحان قال في مداخلته..وأنا أقوم بإعداد بحث بسيط عن علماء البحرين والمخطوطات، وجدت أنّ هناك من عاش على هذه التربة في القرن الرابع عشر الهجري وعددهم حوالي 600 من العلماء الكبار ومنهم 430 عالما بقوا و170 عالما من أبناء البحرين رحلوا وعدد المخطوطات الموثقة بالاسم وبتاريخ الكتابة والموضوع هي 1200 مخطوط.. وهذه التي استطعت حصرها وقد تكون للجهات الرسمية أنْ تجمع هذه المخطوطات، وأثناء بحثي في موسوعة النويدري في الثقافة الإسلامية، وجدتُ حلقات ضعيفة وأخرى قوية من القرن الأوّل الهجري الى السادس حيث كان عدد علماء البحرين 50 عالما ولكن إنتاجهم كان ضعيفا، وفي القرن السابع الهجري كان العدد 6 وعلى رأسهم الشيخ ميثم وفي القرن الثامن الهجري 3 علماء فقط وهذا سبب ضعف الحلقة، ولا أدري، هل أنّ الباحث لم يحصل على مصادر أخرى أم كان مقلا في القرنين التاسع والعاشر الى القرن السادس عشر حيث كان عدد العلماء في ازدياد، ووصل عددهم في القرن السادس عشر إلى 70 عالما.
وتساءل الباحث عبدالله سيف عن الجديد بشأن كتاب اسمه «مسجد الخميس»، فأشار النويدري الى أنّ هذا الكتاب تدعمه إحدى الجهات، ونرجو أنْ تسعفنا الأيام في ظهوره قريبا إنْ لم تكن هناك عقبات في الطريق، ومن جهته، أشار محمد عبدالله السعد، الى أنّ هناك توجها من جانب إدارة الأوقاف الجعفرية لجمْع وتوثيق وتحقيق العديد من الكتب التاريخية والتراثية لرفد المكتبة البحرينية.
وفي ختام اللقاء، قدّم رئيس التحرير منصور الجمري هدية تذكارية، فيما تم التقاط صور بين حضور اللقاء والمحتفى به؛ لتبقى صورة اللقاء متألقة بهدفها الأكبر وهو صيانة تاريخ وحضارة بلد كانت مركزا للإشعاع الفكري.
العدد 2053 - السبت 19 أبريل 2008م الموافق 12 ربيع الثاني 1429هـ