بعضُ النخب مطالبة اليوم أكثر من أيِّ وقت مضى بوضع المراجعات على رأس أولوياتها. مراجعات تعمل على تعميق فكر يتقصّى ويرصد ويفكّك الحالات والظواهر المجتمعية التي طرأت على النسيج الاجتماعي والأخلاقي في المملكة.

الوطن الذي نحرص على بقائه بمنأى عن شَقِّ لُحمته وتفتيت كياناته وبعثرة جهوده واستهداف إنجازاته بجاجة قصوى إلى مثل تلك المراجعة وفكرها، وبعض النخب المنشغلة أو المتشاغلة بتقصّيات بعيدة عن حقيقة وواقع تلك الحالات والظواهر أصبحت مطالبة اليوم بتركيز اشتغالاتها وإعمال أدواتها في العمق من الحالة البحرينية.

التطور كسنّة طبيعية لا يمكن له أن يتحقق ما لم تكتنفه مراجعة تصحح مسارات في حركته وتوجهه وتعيد النظر في بعض ما يُعتقد أنها قناعات عليه الأخذ بها من دون مساءلة؛ لأن السنن لا تصنعها القناعات المجردة بقدر ما تصنعها إعمالات العقل وما يتمخض عن تلك الإعمالات من إنجازات على الأرض تعمل عملها في الحركة الفاعلة حاضرا وتمهد لمستقبل معافى من الصدمات.

والوطن - أيّ وطن - إذا أريد له أن يكون في عمق ذلك التطور - ليس في مبناه بل معناه - لابد أن يتخذ من تلك المراجعة هدفا تتيح له التماشي مع السنن الطبيعية آخذا بالنافع منها ما يؤدي إلى استواء تجاربه وإنجازاته.

لا شيء يضمن للوطن بقاءه وتجاوز إشكالاته إلا الاشتغال العاقل والمسئول على مراجعات تقرأ بحيادية بالغة منجزاته من دون تهويل أو إسقاط. مراجعات تتحرى الحرص والتطلع إلى أن ترى الوطن وقد انشغل وكرّس إمكاناته في ما يُعلي من شأن البشر تفجيرا للطاقات واستدراجا للكامن من المواهب وتنشيطا للمتراخي من الإبداعات وطردا وإقصاء لكل ما يشوِّه ويحجب ويصادر مثل تلك الطاقات والمواهب والإبداعات.

في الصميم من فرحنا بعيد الوطن. في الصميم من فرحه بنا؛ تطلعا إلى غدٍ يُراد له - ضمن سنّة التطلع الإنساني - أن يكون أجمل. أجمل بمزيد من الإنجاز ومزيد من إتاحة الفضاءات بحضور ومواكبة وتقصّي مراجعات تظل من صمامات الأمان. الأمان لاستمرار ذلك الإنجاز والتمدد والتوسع في تلك الفضاءات.

مراجعة تتحرى وطنا هو في الذروة من الروح. في الذروة من القلب. نبضٌ هو في السفر والحضر؛ بل هو الروح الإضافية التي تمدك بالإضافي من العمر. الإضافي من الإنجاز والإضافي من محاولة أن يكون لك معنى يليق بحضوره وبهائه