تنعم البحرين ببيئة أكثر ديمقراطية من عدد من دول الجوار، على الرغم من كلّ النواقص و الهزات التي تتعرض لها هذه البيئة الناشئة. ومن معالم البيئة الديمقراطية توافر الانتخابات التنافسية على المستويات النيابية والبلدية والنقابية وغيرها، بالإضافة إلى سيطرة المدنيين (وليس العسكريين أو أجهزة الأمن والمخابرات) على الشئون العامّة.
ولكي تتعزز المسيرة الديمقراطية فإننا بحاجة إلى تحقيق المساواة أمام القانون، وضمان الحريات المدنية وحقوق الإنسان، وعدم تعطيل أو إفساد مؤسسات المجتمع المدني.
لكن بعض الأحداث التي عايشناها في الفترة الأخيرة طرحت أسئلة حرجة عن مدى استيعاب المسئولين ومدى استيعاب البيئة الناشئة للضغوط التي تتعرّض لها المسيرة السياسية في البلاد. ففي منتصف السبعينات من القرن الماضي أعلنت الحكومة عجزها عن مواكبة الأوضاع الناتجة عن الحراك السياسي الذي قاده نوابُ المجلس الوطني آنذاك، وقدّمت الحكومة استقالتها، وأعلنت أنّ المساحة السياسية في البحرين لاتحتمل وجود مؤسسة تشريعية - رقابية إلى جانب المؤسسة التنفيذية. وتم حينها الاستغناء عن البرلمان، وتحوّلت الصلاحيات التشريعية إلى الحكومة واستمر الوضع غير الصحيح 27 سنة، حتى انتخابات 2002.
قانون أمن الدولة كان القانون الوحيد المطبّق على وجه السرعة (من 1975 حتى 2001) ومن دون عراقيل، ولكن فقط لظلم الناس. أمّا باقي شئون الحياة فكانت معطلة وكانت تحت رحمة المسئول عن هذا الملف أو ذاك، وانتشرت المعاملات غير السليمة ووصلت البحرين إلى طريق مسدود، وتفاقمت الأمور وانفجرت الأوضاع وتأزمت كثيرا.
خرجنا من كلّ ذلك في العام 2001، وسرنا جميعا نحو مستقبل أفضل... ولكن منذ العام 2005 بدأت تتغير أمور عدّة على الأرض. فقد نشأت «طبقة جديدة من المسئولين» في الدولة، وصعد نفوذ هؤلاء إلى الأعلى كالصاروخ المنطلق إلى الفضاء بسرعة خارقة، واستلموا مفاصل الدولة، واستطاعوا تحوير الأمور والمعاملات والمؤسسات نحو برامجهم ومصالحهم الخاصة بهم. وهذا أدّى إلى تطرف مضاد من قبل بعض فئات المعارضة التي وجدت شواهد عملية لكلّ مخاوفها التي أفصحت عنها. ونتج عن صعود هذه الطبقة الجديدة توتر الوضع وسقوط قتيل من المتظاهرين في نهاية العام الماضي، ثم سقوط قتيل من الشرطة الأسبوع الماضي.
ولكي نكبح جماح التطرّف الذي أدّى لسقوط قتلى فإنّ علينا أن نراجع ماذا فعلت هذه «الطبقة الجديدة من المسئولين» بالبحرين خلال السنوات الثلاث الماضية، ونخضعهم للمراقبة الدستورية والحقوقية، ونفتح في الوقت ذاته آفاق الحوار لاستيعاب المشككين (أو الذين فضّلوا الانزواء) ضمن العملية السياسية، وبهذا نصحح جانبا من أوضاعنا التي ساءتْ مؤخرا بسبب «طبقة جديدة» من المسئولين تفتقر الى مفاهيم وممارسات «الحكم الصالح».
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2050 - الأربعاء 16 أبريل 2008م الموافق 09 ربيع الثاني 1429هـ