العدد 2050 - الأربعاء 16 أبريل 2008م الموافق 09 ربيع الثاني 1429هـ

ليبرالية المطار

مثيرة تلك الإسقاطات التي خلُص إليها الشاعر الفلسطيني محمود درويش في كتابه «في حضرة الغياب»، لدى توصيفه تجربته الشخصية مع المطار، والانتظار في المطار، وصولا إلى مجتمع المطار نفسه. كان المطار في نص درويش «المهمل» الذي حاول رد الاعتبار له، وإعادة قراءته من جديد.

اشتغالات رد الاعتبار للمهمل لعبتا كتابة وتخيل دقيقتان. ولعلي أزعم أنها من أصعب أنماط الكتابة، وما أزال بين فينة وأخرى أمارس حرب استنزاف مع الزميل جعفر الجمري، ذلك أنه أحد أولئك الذين يجيدون اللعب على هذه المساحة تحديدا، حين يعيد الاعتبار لغبار النافذة أو قلم الرصاص المكسور على مكتبه.

لا يمكنك في المطار إلا أن تنتصر له بوصفه أكثر المجتمعات الليبرالية صدقية. يبدو المطاريون - العاملون في المطارات - كائنات ليبرالية، فهم بالكاد يقرأون الأسماء ويشاهدون صور جوازات السفر من دون أن تنبت شفاههم بكلمة واحدة. فوحده المطار من يستطيع أن يستقبل اللغات كلها من دون الحاجة إلى طاقم من المترجمين.

صفات الناس في المطار وأشكالهم غير مهمة، ولا أحد يكترث لذلك. الجنسيات غير مهمة والديانات غير مهمة والطوائف غير مهمة، وما خلا بعض المطارات والطائرات تتعمد إقرار الفصل الطبقي، فإن أحدا لا يستطيع أن يقرأ مكانات المطار إلا بوصفها مكانات تبدو مستعدة لتأسيس أرقى تجارب المجتمعات الفاضلة.

لا تبدو الكلمتان المركزيتان في المطار (الذهاب والإياب) مقنعتين لدرويش، فلا أحد ينتظره في «الإياب» ولا أحد يغادره في «الذهاب». سيان ما بين الكلمتين لرجل بلا وطن يفتش في صحف المطار ومجلاته عن وطن يحتضنه فلا يجد. ولكن درويش بعد ذلك كله يكشف عن أكثر ما قد يحمله المطار من معنى، وهو أن يكون المطار «الوطن» الذي يبحث عنه تحديدا حيث الأمن بالكاميرات التي تراقب كل شيء، وقبل ذلك حيث الحرية!

العدد 2050 - الأربعاء 16 أبريل 2008م الموافق 09 ربيع الثاني 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً