قال مدير مكتبة الشيخ عيسى الوطنية منصور محمد سرحان، إن المكتبة الوطنية التابعة لمركز عيسى الثقافي والتي يفتتحها عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، اليوم، تحوي قاعة خاصة للمطبوعات تضم ما يزيد على 2000 رسالة ماجستير ودكتوراه قدمها باحثون بحرينيون، إضافة إلى ما يزيد على 4 آلاف مؤلف بحريني تغطي حقولا معرفية مختلفة.
وأضاف أن المكتبة التي تشكل مركزا ثقافيا متكاملا، تعتبر مكتبة إيداع لجميع المؤلفات والمطبوعات الصادرة من الأمم المتحدة، إضافة إلى المطبوعات المحلية، وأن عدد المجلدات التي تحتويها يزيد على 70 ألف مجلد، تم نقل 50 ألفا منها من مكتبة المنامة العامة التي أغلقت قبل عامين.
من جانب آخر، أفاد سرحان بأن هناك ما يزيد على 2000 مخطوطة، توثق تاريخ البحرين، موجودة لدى الأهالي، وطالب الأهالي بتسليم هذه المخطوطات إلى الجهات المعنية التي يمكن لها الاستفادة منها في توثيق وحفظ أجزاء هامة من تاريخ البحرين.
سرحان، الذي شغل منصب مدير المكتبات العامة في البحرين لفترة طويلة، قبل أن ينتقل لمنصبه الجديد، كان في ضيافة «الوسط» أخيرا للحديث عن المكتبة الوطنية، تاريخ المكتبات في البحرين، وإسهاماته في رصد وتوثيق الحركة الفكرية والثقافية في البحرين.
بداية تحدث سرحان عن المكتبة الوطنية التي اعتبرها العمود الفقري لمركز ثقافي متكامل يضم عددا من الإدارات، باعتبار مبناها يشغل مساحة كبيرة جدا تصل إلى 7 آلاف متر مربع، وقال إن المكتبة تضم قاعتين كبيرتين «قاعة للمؤتمرات وتبلغ سعتها الاستيعابية ألف كرسي، وقاعة متعددة الأغراض تسع 400 كرسي، القاعة الأولى مهيئة للترجمة لثماني لغات، فيما يمكن أن تحتضن القاعة الصغرى مختلف الفعاليات والأنشطة كما إنها مهيئة للترجمة للغة الإنجليزية.
كذلك تحوي المكتبة «غرفة للرسائل الجامعية تسمى قاعة المطبوعات الوطنية تحوي ما يصل إلى 2200 رسالة ماجستير ودكتوراه قدمها باحثون بحرينيون لجامعات محلية وعربية وأجنبية، 70 في المئة من هذه الرسائل بالإنجليزية والباقي بالعربية. كما تحوي القاعة ما يصل الى 4400 مؤلف بحريني تغطي حقولا معرفية مختلفة، عدا عن قسم آخر يضم مطبوعات دول مجلس التعاون الخليجي».
مبنى مريح وموظفون مؤهلون
وعن الجديد الذي تحويه المكتبة، قال سرحان: «الكثير، فالمبنى تم تصميمه من قبل أحد بيوت الخبرة في تصميم المكتبات، بل إن تصميم الكراسي والخزانات وكل قطع الأثاث أنجز وفق معايير دولية من قبل شركة ألمانية متخصصة في أثاث المكتبات».
وأضاف «المبنى مريح للدارسين والباحثين إذ نقلنا إليه كل المجلدات التي كانت موجودة في مكتبة المنامة العامة التي بلغ عددها 50 ألف مجلد، وأضفنا إليها 25 ألف مجلد جديدة، فما يوجد لدينا الآن في المكتبة الوطنية 75 ألف مجلد.
كذلك قمنا بتوظيف الكثير من الأشخاص المؤهلين وقمنا بتدريبهم، لدينا أكثر من 50 موظفا وموظفة، معظمهم من حملة الشهادات الجامعية، وأستطيع القول إن السيدات يمثلن 90 في المئة من مجموع موظفينا. القوى العاملة كان اختيارها موفقا، وقد قمنا بإحضار موظفينا السابقين في مكتبة المنامة وعددهم 7 وهم أصحاب خبرة طويلة، بالإضافة إلى عنصرين مهمين أحضرناهما من جامعة البحرين وهما يحملان الماجستير في علم المكتبات من أميركا ولديهما خبرة أكثر من 17 عاما، أحدهما هو رئيس الخدمات المكتبية العامة والآخر رئيس الخدمات الفنية.
ويفيد سرحان بأن موظفيه يخضعون لعملية تدريب مستمرة، «التدريب الداخلي ويقوم به الموظفون المتمكنون من أصحاب الخبرة، وتدريب خارجي يتم بالتعاون مع السفارة الأميركية، وقد تم لحد الآن تدريب الموظفين على أنظمة الفهرسة والتصنيف الإلكتروني والخدمات المكتبية العامة».
أحدث تقنيات الفهرسة والتصنيف
كذلك يرى سرحان أن المكتبة ستكون مريحة لمرتاديها بسبب «الأجهزة والبرامج المتطورة التي تم إدخالها مثل نظام الأفق للفهرسة (Horizon) وهو نظام فهرسة وبحث متطور يسهل عملية الوصول للمراجع والكتب وهو مطبق في دول مجلس التعاون الخليجي وفي كثير من المكتبات الوطنية مثل مكتبة جامعة البحرين وجامعة الخليج العربي، وسوف ننتقل بعدها إلى نظام فهرسة أكثر تطورا هو نظام السيمفوني. أيضا لدينا برنامج RFID، وهو نظام حماية لمقتنيات المكتبة».
ويضيف سرحان «هناك أيضا برامج وأجهزة خاصة للمكفوفين وضعيفي البصر، فهناك جهاز يقوم بمساعدة ضعيفي البصر على القراءة بتكبير الحروف بالقدر المريح لأعينهم، لدينا أيضا برامج للمكفوفين، بحيث يحول البرنامج كل ما هو مكتوب على الشاشة إلى مادة مسموعة، كما يطبع أي مواد تكتب على الجهاز بلغة برايت. كذلك لدينا مكتبة الكترونية تضم 14 مقصورة، وتحوي 24 جهاز حاسوب، بالإضافة إلى قسم الدائرة المغلقة أو Teleconference وسوف يكون متاحا لمن يود استخدامه من الباحثين والمتخصصين».
مكتبة المنامة وتاريخ حافل
وبشأن المكتبات العامة والإدارة التي تركها بعد سنوات طوال قال: «المكتبة الوطنية تابعة للديوان الملكي، أما المكتبات العامة فهي أمر منفصل وسوف تبقى وتنتشر وهناك مشاريع لإنشاء المزيد منها في مختلف مناطق البحرين. حين تركت إدارة المكتبات العامة كانت هناك خطة لإنشاء مكتبات في كل من الحد والسنابس والنويدرات، يفترض أنه تم الشروع في بنائها الآن.
وقال سرحان «تأسست مكتبة المنامة العامة في 1946 وكانت أول مكتبة في دول مجلس التعاون. في العام 1975 صدر مرسوم أميري لتحويلها إلى مكتبة إيداع وألزم المؤلف والباحث البحريني بأن يودع خمس نسخ من مؤلفه، أو نسخة من أي رسالة ماجستير أو دكتوراه، وفي العام نفسه اعتبرت مكتبة إيداع لمطبوعات الأمم المتحدة من معاهدات دولية أو بحوث عن التصحر أو الأمراض أو السلاح أو حقوق الانسان الى غير ذلك. كل هذا نقل الآن إلى المكتبة الوطنية لتصبح مكتبة الإيداع بالنسبة إلى الأمم المتحدة وللمطبوعات المحلية أيضا».
ويضيف «منذ تأسيس مكتبة المنامة حتى نقلها للمكتبة الوطنية، لعبت دورا كبيرا جدا في عملية التثقيف، في أيامي فيها عملنا على إحياء وتنظيم اليوم العالمي للكتاب، وهو يوم وضعته اليونسكو في مطلع التسعينيات وتعتبر البحرين أول دولة خليجية احتفلت به»
سرحان... سيرة مندغمة بالثقافة
سيرة سرحان مندغمة بالكتاب والمكتبات والثقافة في البحرين، طلبنا منه أخذنا في جولة بانورامية حول أهم إصداراته وطبيعة اهتمامه بالثقافة في البحرين وأهم المحطات الثقافية التي أرّخها، إذ بدأها بقوله: «يصل عدد إصداراتي إلى حدود 23 عنوانا وهناك 4 كتب ستصدر قريبا وهي كتاب عن الدكتور محمد جابر الأنصاري كأكبر مفكر في المنطقة وآخر عن دور المرأة البحرينية في رفد الثقافة والكتاب، كان يفترض إصداره في يوم المرأة البحرينية لكن تأخر وصوله من مركز الدراسات العربية. وهناك كتابان سيصدران في 2009 بتكليف من وزارة الإعلام أحدهما عن الشهيد عبدالله المدني والكتاب الثاني عن أحمد كمال.
بدأت رحلتي مع التأليف العام 1983 بإصدار كتاب «الكتاب والمكتبات في البحرين»، كانت بداية بسيطة تخللتها أخطاء لكني أعتز بها كثيرا. كنت في تلك الفترة رئيس المكتبات العامة في البحرين فأنا خدمت منذ العام 1963. بعد تخرجي مباشرة من الثانوية العامة وكان عمري حينها 19 عاما كنت مدرس لغة انجليزية، درّست المرحلة الابتدائية ثم الإعدادية ثم الثانوية، بعد عام واحد نُقلت في العام 1973 للعمل في المكتبة العامة».
وكما يروي سرحان فإن كتابه الأول «كان عبارة عن مقالات نشرتها في «الأضواء» وشجعني الدكتور علي محمد فخرو وكان حينها وزير التربية والتعليم على أن تجمع في كتاب، كذلك شجعني على ذلك المرحوم محمد قاسم الشيراوي».
يقول: «وثقت في هذا الكتاب بداية تأسيس المكتبات في البحرين وكانت مكتبات خاصة بدأها رجال الدين، أهمها مكتبة آل عصفور التي أسست في القرن الثامن عشر، والآن سوف يصدر لي كتاب عن دور أسرة آل عصفور في رصد الحركة الثقافية تحت عنوان «إسهامات أسرة آل عصفور العلمية في تاريخ البحرين» سوف يتطرق لهذه المكتبة وهي مكتبة مهمة جدا تنقلت بين عدة دول، من البحرين الى عمان الى العراق الى إيران إذ بقيت هناك لسنوات طوال والآن يحاول الشيخ محسن آل عصفور استرجاع مجموعة من كتبها إلى البحرين لتوضع في المركز الثقافي الذي يقوم ببنائه حاليا.
هناك أيضا مكتبة الشيح إبراهيم بن محمد آل خليفة التي أسست في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين».
أما المكتبات الخاصة فيذكر منها سرحان «المكتبة التي تأسست العام 1913 حين اجتمعت مجموعة من المثقفين البحرينيين منهم محمد علي التاجر وسعيد الشملان وقرروا إنشاء مكتبة بحرينية تكون بديلا للشباب عن المكتبة التبشيرية بالإرسالية الأميركية. كانت مكتبتهم عبارة عن «دكان» صغير في شارع الشيخ عبدالله، وبسبب الإقبال الكبير من الشباب على هذه المكتبة، قرر مؤسسوها تحويلها إلى نادٍ ليتمكنوا من القيام بأنشطة مختلفة. لكن رجال الدين في تلك الفترة ظنوا أن النادي يجلب الخراب، وخصوصا مع وجود الآية القرآنية «ويأتون في ناديهم المنكر»، لذا رفضوا الفكرة وصدر أمر من القاضي المهزع لأحد الأعضاء المؤسسين وهو ناصر الخيري بإغلاق النادي وإلا «جدع أنفه». بالفعل أغلق النادي لكن محمد علي التاجر الذي كان عضوا مؤسسا قام في العام 1923 بتأسيس مكتبته الخاصة التي يبيع فيها الكتب في شارع الشيخ عبدالله وسمح لمرتادي المحل بالاطلاع على الكتب حتى في حال عدم الرغبة في شرائها لكن على شرط أن يتم ذلك في داخل المكتبة».
راصد للحركة الفكرية والثقافية
يواصل سرحان «بعدها اتجهت لرصد الحركة الفكرية في البحرين فأصدرت كتاب «واقع الحركة الثقافية في البحرين» العام 1993 ثم تبعه كتاب «رصد الحركة الفكرية في البحرين خلال القرن العشرين» العام 2000، وأنا أعتبره أهم كتبي لأنني وثّقت فيه كل ما صدر في البحرين خلال مئة عام من الكتب والصحف ودور السينما والأندية والمراكز الثقافية المختلفة.
ثم وجدت أنه كما يوجد نقص في بيبلوغرافيا الحركة الثقافية، فإن هناك نقصا في توثيق العمل الصحافي في البحرين ولذا صدر كتابي عن الصحافة في البحرين وهو الآن مقرر على طلبة الصحافة بجامعة البحرين».
بعد ذلك قام سرحان بتوثيق تاريخ السينما في البحرين، وهو تاريخ قديم يقول عنه «دخلت السينما البحرين العام 1922 وكان ذلك أيام السينما الصامتة، كانت دار السينما حينها كوخا يحوي ألواحا خشبية تستخدم ككراسي، وكان سعر التذكرة آنتين. في كتابي هذا تحدثت عن تطور السينما في البحرين وصولا لتأسيس سيتي سنتر الذي كان العمل عليه جاريا وقت تأليفي الكتاب».
ويواصل «لديّ كتب أخرى منها كتاب عن تاريخ جمعية رعاية الطفولة والأمومة باعتبارها جمعية قديمة تأسست العام 1950، تحدثت في الكتاب أيضا عن تجربة إنشاء أول نادٍ للسيدات في البحرين العام 1953 وهي تجربة فريدة من نوعها. وعلى الرغم من أنها أجهضت منذ بدايتها إذ لم يوافق رجال الدين حينها على أن ترتاد المرأة النادي، إلا أنها تجربة مميزة ومشرقة في تاريخ البحرين الثقافي».
للصحافة تاريخها البحريني الحافل
حين سألناه عما لفت نظره في رصده للتجربة الصحافية في البحرين طوال تاريخها، بدأ سرحان حديثا طويلا عن تاريخ الصحافة وعن إسهاماتها منذ بداياتها حتى اليوم، أثنى على كل المحاولات، وعن تاريخ الصحافة قال: «الصحافة في البحرين اتخذت خطوات رائدة وخصوصا مع بداياتها في الخمسينيات، بالتحديد العام 1935 مع جريدة عبدالله الزايد التي كانت في الواقع مدعومة من قبل الإنجليز للدور الدعائي الذي تقوم به للحلفاء».
وعودة إلى الخمسينيات، يقول: «في هذه الفترة بدأت الجرائد تظهر بشكل آخر، فظهرت مجلة «صوت البحرين» وهي ذات توجه قومي عربي وكانت تطبع في بيروت وكان يسمح للأقلام الرصينة فقط بالكتابة فيها، وكانت المجلة توزع في سورية ومصر والمغرب والعراق.
في الخمسينيات أيضا وبعد ثورة يوليو/ تموز في مصر وتزايد الوعي القومي في محاربة الاستعمار صدرت جرائد مثل «القافلة» التي صدرت العام 1953 وأوقفها الانجليز بعد عام واحد فقط من صدورها لتعود إلى الصدور بعد عام آخر باسم آخر وهو «الوطن»، ثم جاءت جريدة «الميزان» ثم «الخميلة» وكانت أدبية. بعدها كانت هناك فترة توقف حتى جاءت صحيفة «الأضواء» العام 1965 ثم «صوت البحرين»، ثم توالت الصحف.
وعن ما يراه من فروق بين الصحافة في بداياتها والصحافة اليوم يعلّق «ما يحدث اليوم هو تكرار لفترة الخمسينيات من حيث كم الصحف. الفرق الآن أن عدد القراء أكثر، في الخمسينيات كانت الأمية تغزو المجتمع. كذلك دخل الآن عامل التكنولوجيا، في الأربعينيات والخمسينيات كانت سلطة المستعمر تمنع نشر بعض الموضوعات وحينها كان جميع المواطنين البحرينيين يعلمون بأمر المنع حين تصدر الصحيفة في اليوم التالي وتبدو مواقع الموضوعات الممنوعة من النشر فيها بيضاء».
المخطوطات البحرينية
تحدث سرحان أيضا عن المخطوطات في البحرين وهي التي أشار إليها في بعض كتبه، وذلك في رد على سؤال بشأن ما إذا كانت المكتبة الوطنية سوف تخصص قسما يعنى بهذا الشأن. سرحان قال إن أول من تحدث عن المخطوطات حديثا هو علي أبا حسين (مدير مركز الوثائق التابع لولي العهد) وهو من أصدر مجلد مخطوطات البحرين الذي تحدث فيه عن المخطوطات الموجودة في البحرين وذلك بناء على ما سجله ورآه من مخطوطات أثناء زيارات قام بها للأهالي في مختلف قرى ومدن البحرين».
ويتابع «في كتابي الأول تحدثت عن الكثير من المخطوطات، والآن الشيخ محسن آل عصفور يقوم بدور كبير في هذا الجانب، إذ إنه تمكن من أن يحضر مائة مخطوطة تابعة لمكتبة آل عصفور من طهران ومشهد، وسوف يعرضها في مركزه الثقافي.
أما في المكتبة الوطنية فسوف يكون لدينا قسم خاص للمخطوطات وسوف تخصص موازنة لشراء المخطوطات وخصوصا البحرينية، وأنا أعتقد أن لدينا ما لا يقل عن 2000 مخطوطة موجودة لدى الأهالي. وأنا أدعو الأهالي لإرسال مخطوطاتهم تلك للمكتبة الوطنية فهذا أحفظ لها»
العدد 2295 - الأربعاء 17 ديسمبر 2008م الموافق 18 ذي الحجة 1429هـ