في منزل الصديق الشيخ صالح السحيباني وبدعوة منه اجتمع نخبة من مثقفي المجتمع السعودي مع وزير الداخلية الأمير نايف لمناقشة بعض قضايا المجتمع وهمومه ولاسيما وهو العارف الخبير بمثل هذه القضايا بحكم منصبة واهتماماته المتعددة.
القضايا التي طرحت في هذه الجلسة كثيرة، وكانت جميعها تلامس هموم الوطن وأمنه وعلاقة أفراده بعضهم بالبعض الآخر وكذلك علاقتهم بالدولة باعتبار أنّ المواطن يجب أنْ يشكل مع حكومته وحدة واحدة لا ينفصل بعضها عن البعض الآخر.
قضايا الأعلام والمرأة استحوذت على جانب مهم في هذا اللقاء، باعتبار أنّ الإعلام يلامس مباشرة قضايا الأمن الفكري والاجتماعي وبالتالي يُلامس كلّ قضايا الأمن الوطني. أمّا قضية المرأة في السعودية فهي قضية أخذت أبعادا أكبر من حجمها الطبيعي وأثيرت داخل البلاد وخارجها واستحوذ التشويه والمبالغة على الجزء الأكبر منها.
الأعلام - كما يرى الأمير - يجب ألا يخرج عن الإطار العام للشريعة الإسلامية، فهذه الشريعة يجب ألا تمس بأية صورة؛ لأنها تمثل عقيدة الأمّة ورمز وجودها، وبالتالي فإنّ أي خروج على هذه العقيدة لن يكون مسموحا به تحت أيّ ظرف.
حرية الإعلام قضية محترمة، وهي حق للصحافي كما أنها حق لسواه، ولكن هذه الحرية يجب ألا تمس ثوابت الدين ومقدّسات الأمّة؛ لأنها - إن فعلت - فقد خرجت عن هذا المفهوم وأصبحت من أقوى أسباب الفتنة وتفرق المجتمع وضعفه.
وقد تناول المجتمعون بعض الشواهد على تجاوز الصحافة السعودية لهذه الثوابت، وكيف أنها بذلك أساءت للإسلام وأساءت أيضا لكلّ أفراد المجتمع، وهذا - كما قال الأمير - لن يكون مقبولا ولا مسموحا في القريب العاجل.
ومن هذه الأمثلة أنّ صحيفة سعودية نشرت مقالا قال كاتبه: إنّ أبا بكر الصديق كان أوّل تكفيري في الإسلام؛ لأنّه قاتل المرتدين. كما أنّ كاتبا آخر قال: إنّ كلمة «لا إله إلا الله» لا تعني توحيد الله وحدَه وأنه الإله المعبود بحق. وكاتبة ثالثة أنكرت حدّ الرجم في الإسلام وقالت: إن الرسول الكريم أخذ هذا الحد عن النصارى، وكأنها تقول: إنّ رسولكم جاهل لا يعرف ماذا يصنع لأنه (ص) طبّق حد الرجم في حياته ثم استمر المسلمون في عصورهم كافة يطبّقون هذا الحد متى ما توافرت شروطه، والدولة السعودية طبّقت هذا الحد، وربما غيرها، فهل كلّ هؤلاء كانوا جهلة بحدود الله وشرعه حتى تأتي هذه الكاتبة الجاهلة فتنفي هذا الحد شرعي وكأنها تشرّع للناس دينا جديدا من عندها!
أمّا أفكار بعض المصطلحات القرآنية مثل «الكفر» و»الولاء والبراء» فهو أكثر من أنْ يحصى في صحافتنا المحلية، وكأنّ هؤلاء الكتّاب يشعرون بالخجل من قرآنهم ومن أحاديث نبيهم فهم يريدون أفكارا أو تأويل هذه المصطلحات لصالح الغربيين وكأنهم يقدّمون لهم خدمة مجانية يتقرّبون بها إليهم على حساب دينهم.
ومثل بعض الصحف السعودية تفعل بعض الصحف والقنوات الفضائية المحسوبة على السعودية، فنرى بعض كتّابها يتخذون من الإسلام ومن معظم الأفعال الخيرية في السعودية خصما لهم وكأنهم في صراع دائم مع الإسلام لا يمكن أنْ يفهم إلا في إطار المشروع الأميركي المعادي للإسلام لصالح المشروع الصهيوني في المنطقة.
أمّا قضية المرأة السعودية فقال الأمير نايف إن هناك حديثا لا ينتهي عن مسألة قيادة المرأة للسيارة وكأنّ هذه هي لب مشكلة المرأة مع أنها لا تمثل شيئا للمرأة في السعودية.
وأكّد أنّ مسألة القيادة لا علاقة لها بالدين ولا بالسياسة وإنما هي قضية مجتمع لا أقل ولا أكثر، وأنّ المجتمع السعودي حاليا في مجمله يعارض هذه الفكرة ومن هنا جاء عدم السماح بها.
وقال وزير الداخلية: إنّ البعض يُريد أنْ يجعل المرأة السعودية مثل المرأة الغربية سواء لسواء وهذا مرفوض دينا وعقلا، فالمرأة السعودية - والمسلمة عموما - تتمتع بمكانة فريدة في أسرتها ومجتمعها لم تصل إليها المرأة الغربية حتى الآنَ، وليس من المعقول أنْ نقبل بترويج الأفكار المصادفة لديننا في وسائل إعلامنا.
وعن عمل المرأة قال: إنّ المرأة السعودية تعمل في معظم المجالات أسوة بأخيها الرجل، وليس هناك من قيود عليها في العمل الاّ في الحدود الشرعية التي لا تسمح بالاختلاط المحرّم بين الجنسين لما ينتج عنه من مفاسد نراها ونلمسها وليس من المصلحة السماح بها.
ومن القضايا التي تحدّث عنها الحاضرون مع الأمير قضية هيئة الأمر بالمعروف والمسائل التي تدور حولها في صحافتنا المحلية ومدى الحقيقة التي تتمتع بها.
وقد أكّد الحوار أن الهيئة جهاز من أجهزة الدولة يخطئ أفراده ويصيبون، وأنهم يُحاسبون كسواهم من موظفي الدولة.
ولكن السيئ في المسألة - كما قال - إنّ بعض الصحافيين يحمّلون الهيئة أفعالا لم تقم بها، ويلصقون بأفرادها تهما لم يرتكبوها وهنا تكمن المشكلة التي لا نقبلها.
ومن هنا فإننا - كما قال - نطالب كلّ الصحف بالتزام الحقيقة وعدم المسارعة في اتهام أي احد من دون دليل حتى لا يقع تحت طائلة القانون.
وتناول الأمير في حديثه المخدرات وأوضح أنّ هناك كميات هائلة تدخل البلاد شهريا من دول مجاورة وأن أجهزة الأمن تلقي القبض على كميات كبيرة ولكن حجم المشكلة أكبر بكثير.
وطالب كلّ مواطن أنْ يسهم مع أجهزة الدولة في محاربة هذه الظاهرة الخطيرة التي تستهدف شباب المجتمع وأمنه.
أقول: إنّ الشيء الذي يجب أنْ نعرفه في بلادنا أنّ هذه البلاد لم تتميز بتصديرالبترول وأن قيمتها ليست في الكميات الهائلة منه فهناك دول كثيرة أخرى تملك نفطا أكثر مما تملكه بلادنا وقد يتم اكتشاف كميّات هائلة منه في بلدان أخرى، ولكن ميزة بلادنا أنها مهد الإسلام ومهد الحرمين الشريفين، وأنها تتمتع بهذه الميزة وحدّها من دون سواها من بلاد الدنيا وأن المسلمين كلهم ينظرون إليها من خلال هذا المنظار ولهذا يجب أنْ تحافظ على هذه المكانة الفريدة التي تتمتع بها.
التطوّر بكل أنواعه لا يتعارض مطلقا مع الاحتفاظ بثوابت الدين الإسلامي، وهنا بإمكان بلادنا أن تجمع بين الحضارة الحديثة وبين الحفاظ على هويتها الحقيقية.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2048 - الإثنين 14 أبريل 2008م الموافق 07 ربيع الثاني 1429هـ